وقد خلقتك من قبل ولم تك شيئا 9 تقرير لما قبل والشيء هنا بمعنى الموجود أي ولم تك موجودا بل كنت معدوما والظاهر أن هذا إشارة إلى خلقه بطريق التوالد والانتقال في الأطوار كما يخلق سائر أفراد الإنسان وقال بعض المحققين : المراد به ابتداء خلق البشر إذ هو الواقع إثر العدم المحض لا ما كان بعد ذلك لطريق التوالد المعتاد فكأنه قيل : وقد خلقتك من قبل في تضاعيف خلق آدم ولم تك إذ ذاك شيئا أصلا بل كنت عدما بحتا وإنما لم يقل : وقد خلقت أباك أو ءادم من قبل ولم يك شيئا مع كفايته في إزالة الاستبعاد بقياس حال ما بشر به على حاله عليه السلام لتأكيد الاحتجاج وتوضيح منهاج القياس من حيث نبه على أن كل فرد من أفراد البشر له حظ من إنشائه عليه السلام من العدم لأنه عليه السلام أبدع أنموذجا منطويا على سائر ءاحاد الجنس فكان إبداعه على ذلك الوجه إبداعا لكل أحد من فروعه كذلك ولما كان خلقه عليه السلام على هذا النمط الساري إلى جميع ذريته أبدع من أن يكون مقصورا على نفسه كما هو المفهوم من نسبة الخلق المذكور إليه وأدل على عظم قدرته تعالى وكمال علمه وحكمته وكان عدم زكريا حينئذ أظهر عنده وكان حاله أولى بأن يكون معيارا لحال ما بشر به نسب الخلق المذكور إليه كما نسب الخلق والتصوير إلى المخاطبين في قوله تعالى : ولقد خلقناكم ثم صورناكم توفية لمقام الامتنان حقه انتهى ولا يخلو عن تكلف وجوز أن يكون الشيء بمعنى المعتد به وهو مجاز شائع ومنه قول المتنبي : وضاقت الأرض حتى كان هاربهم إذا رأى غير شيء ظنه رجلا وقولهم : عجبت من لاشيء وليس بشيء إذ يأباه المقام ويرده نظم الكلام وقرأ الأعمش وطلحة وابن وثاب وحمزة والكسائي خلقناك قال رب اجعل لي ءاية أي علامة تدلني على تحقيق المسؤل ووقوع الخبر وكان هذا السؤال كما قال الزجاج لتعريف وقت العلوق حيث كانت البشارة مطلقة عن تعيينه وهو أمر خفي لا يوقف عليه لا سيما إذا كانت زوجته ممن انقطع حيضها لكبرها وأراد أن يطلعه الله تعالى ليتلقى تلك النعمة الجليلة بالشكر من حيث حدوثها ولا يؤخره إلى أن تظهر ظهورا معتادا وقيل : طلب ذلك ليزداد يقينا وطمأنينة كما طلب إبراهيم عليه السلام كيفية إحياء الموتى لذلك والأول أولى وبالجملة لم يطلبه لتوقف منه في صدق الوعد ولا لتوهم أن ذلك من عند غير الله تعالى ورواية هذا عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما لا تصح لعصمة الأنبياء عليهم السلام عن مثل ذلك وذكر أن هذا السؤال ينبغي أن يكون بعد ما مضى بعد البشارة برهة من الزمان لما روي أن يحيى كان أكبر من عيسى عليهما السلام يستة أشهر أو بثلاث سنين ولا ريب في أن دعاءه عليه السلام كان في صغر مريم لقوله تعالى هنالك دعا زكريا ربه وهي إنما ولدت عيسى عليه السلام وهي بنت عشر سنين أو بنت ثلاث عشرة سنة والجعل إبداعي واللام متعلقة به والتقديم على آية الذي هو المفعول لما تقدم مرارا أو بمحذوف وقع حالا من ءاية وقيل : بمعنى التصيير المستدعي لمفعولين أولهما ءاية وثانيهما الظرف وتقديمه لأنه لا مسوغ لكونه ءاية مبتدأ عند انحلال الجملة إلى مبتدأ وخبر سوى تقديم الظرف فلا يتغير حالهما بعد ورود الناسخ .
قال ءايتك ألا تكلم الناس أن لا تقدر على تكليمهم بكلامهم المعروف في محاوراتهم