فطلب له الوارث المرضي لذلك وفيه أن ذلك مما لا يخاف منه إذ الرجل إذا مات وانتقل ماله بالوراثة إلى آخر صار المال مال ذلك الآخر فصرفه على ذمته صوابا أو خطأ ولا مؤاخذة على الميت من ذلك الصرف بل لا عتاب أيضا مع أن دفع هذا الخوف كان ميسرا له عليه السلام بأن يصرفه قبل موته ويتصدق به كله في سبيل الله تعالى ويترك بني عمه الأشرار خائبين لسوء أحوالهم وقبح أفعالهم وللأنبياء عليهم السلام عند الشيعة خبر بزمن موتهم وتخيير فيه فما كان له خوف موت الفجأة أيضا فليس قصده عليه السلام من مسئلة الولد سوى إجراء أحكام الله تعالى وترويج الشريعة وبقاء النبوة في أولاده فإن ذلك موجب لتضاعف الأجر إلى حيث شاء الله تعالى من الدهر ومن أنصف لم يتوقف في قبول ذلك والله تعالى الهادي لأقوم المسالك .
يا زكريا على إرادة القول أي قيل له أو قال الله تعالى يا زكريا إنا نبشرك بغلام اسمه يحيى لكن لا بأن يخاطبه سبحانه وتعالى بذلك بالذات بل بواسطة الملك كما يدل عليه آية أخرى على أن يحكى عليه السلام العبارة عنه D على نهج قوله تعالى : قل يا عبادي الذين أسرفوا على أنفسهم الآية وهذا جواب لندائه عليه السلام ووعد بإجابة دعائه كما يفهمه التعبير بالبشارة دون الإعطاء أو نحوه وما في الوعد من التراخي لا ينافي التعقيب في قوله تعالى : فاستجبنا له الآية لأنه تعقيب عرفي كما في تزوج فولد له ولأن المراد بالاستجابة الوعد أيضا لأن وعد الكريم نقد والمشهور أن هذا القول كان إثر الدعاء ولم يكن بين البشارة والولادة إلا أشهر وقيل : إنه رزق الولد بعد أربعين سنة من دعائه وقيل : بعد ستين والغلام الولد الذكر وقد يقال للأنثى : غلامة كما قال : .
تهان لها الغلامة والغلام .
وفي تعيين اسمه عليه السلام تأكيد للوعد وتشريف له عليه السلام وفي تخصيصه به حسبما يعرب عنه قوله تعالى : لم نجعل له من قبل سميا 7 أي شريكا له في الاسم حيث لم يسم أحد قبله بيحيى على ما روي عن ابن عباس وقتادة والسدي وابن أسلم مزيد تشريف وتفخيم له عليه السلام وهذا كما قال الزمخشري شاهد على أن الأسماء النادرة التي لا يكاد الناس يستعملونها جديرة بالأثرة وإياها كانت العرب تنحى في التسمية لكونها أنبه وأنوه وأنزه عن النبز حتى قال القائل في مدح قوم : شنع الأسامي مسبلي أزر حمر تمس الأرض بالهدب وقيل للصلت بن عطاء : كيف تقدمت عند البرامكة وعندهم من هو آدب منك فقال : كنت غريب الدار غريب الاسم خفيف الجرم شحيحا بالأشلاء فذكر مما قدمه كونه غريب الاسم وأخرج أحمد في الزهد وابن المنذر وغيرهما عن مجاهد أن سميا بمعنى شبيها وروي عن عطاء وابن جبير مثله أي لم نجعل له شبيها حيث أنه لم يعص ولم يهم بمعصية فقد أخرج أحمد والحكيم والترمذي في نوادر الأصول والحاكم وابن مردويه عن ابن عباس أن النبي قال : ما من أحد من ولد آدم إلا وقد أخطأ أو هم بخطيئة إلا يحيى بن زكريا عليهما السلام لم يهم بخطيئة ولم يعملها : والأخبار في ذلك متظافرة وقيل : لم يكن له شبيه لذلك ولأنه ولد بين شيخ فان وعجوز عاقر .
وقيل لأنه كان كما وصف الله تعالى مصدقا بكلمة من الله وسيدا وحصورا ونبيا من الصالحين فيكون هذا إجمالا لذلك وإنما قيل للشبيه سمى لأن المتشابهين يتشاركان في الاسم ومن هذا الإطلاق قوله تعالى : هل تعلم له