وبعد إخبار الصادق بوجود هذين السدين وما يتبعهما يلزمنا الإيمان بذلك كسائر ما أخبر به من الممكنات والالتفات إلى كلام المنكرين ناشيء من قلة الدين وجد من دونهما أي السدين قوما أمة من الناس قيل هم الترك وزعم بعضهم أن القوم كانوا من الجان وهو زعم باطل لا بعيد كما قال أبو حيان .
لا يكادون يفقهون قولا 39 من أقوال اتباع ذي القرنين أو من أقوال من عداهم لغرابة لغتهم وبعدها عن لغات غيرهم وعدم مناسبتها لها مع قلة فطنتهم إذ لو تقاربت فهموها ولو كثرت فطنتهم فهموا ما يراد من القول بالقرائن فتعلموه والظاهر إبقاء القول على معناه المتبادر .
وزعم بعضهم أن الزمخشري جعله مجازا على الفهم مطلقا أو عما من شأنه أن يقال ليشمل الإشارة ونحوها حيث قال : أي لا يكادون يفهمونه إلا بجهد ومشقة مع إشارة ونحوها وفيه نظر والظاهر أنه فهم من نفي يكاد إثبات الفهم لهم لكن يعسر وهو بناء على قول بعضهم : إن نفيها إثبات وإثباتها نفي وليس بالمختار .
وقرأ الأعمش وابن أبي ليلى وخلف وابن عيسى الأصبهاني وحمزة والكسائي يفقهون من الأفعال أي لا يكادون يفهمون الناس لتلعثمهم وعدم تبيينهم الحروف قالوا أي بواسطة مترجمهم فإسناد القول إليهم مجاز ولعل هذا المترجم كان من قوم بقرب بلادهم ويؤيد في ذلك ما وقع في مصحف ابن مسعود قال : الذين من دونهم أو بالذات على أن يكون فهم ذي القرنين كلامهم وإفهامه إياهم من جملة ما آتاه الله تعالى من الأسباب وقال بعضهم : لا يبعد أن يقال القائلون قوم غير الذين لا يفهمون قولا ولم يقولوا ذلك على طريق الترجمة لهم وأيد بما في مصحف ابن مسعود وأيا ما كان فلا منافاة بين لا يكادون يفقهون قولا .
وقالو ياذا القرنين إن يأجوج ومأجوج قبيلتان من ولد يافث بن نوح عليه السلام وبه جزم وهب بن منبه وغيره واعتمده كثير من المتأخرين وقال الكسائي في العرائس : إن يافث سار إلى المشرق فولد له هناك خمسة أولاد جومر وبنرش وأشار وأسقويل ومياشح فمن جومر جميع الصقالية والروم وأجناسهم ومن مياشح جميع أصناف العجم ومن أشار يأجوج ومأجوج وأجناسهم ومن أسقويل جميع الترك ومن بنرش الفقجق واليونان وقيل : كلاهما من الترك وروي ذلك عن الضحاك وفي كلام بعضهم أن الترك منهم لما أخرجه ابن جرير وابن مردويه من طريق السدي من أثر قوى الترك سرية من سرايا يأجوج ومأجوج خرجت فجاء ذو القرنين فبنى السد فبقوا خارجين عنه وفي رواية عبد الرزاق عن قتادة أن يأجوج ومأجوج ثنتان وعشرون قبيلة بنى ذو القرنين السد على إحدى وعشرين وكانت واحدة واحدة منهم خارجة للغزو فبقيت خارجة وسميت الترك لذلك وقيل : يأجوج من الترك ومأجوج من الديلم وقيل من الجيل وعن كعب الأحبار أن يأجوج ومأجوج من ولد آدم عليه السلام من غير حواء وذلك أنه عليه السلام نام فاحتلم فامتزجت نطفته في التراب فخلق منها يأجوج ومأجوج ونقل النووي في فتاواه القول بأنهم أولاد آدم عليه السلام من غير حواء عن جماهير العلماء .
وتعقب دعوى الاحتلام بأن الأنبياء عليهم السلام لا يحتلمون وأجيب بأن المنفي الاحتلام بمن لا تحل لهم فيجوز أن يحتلموا بنسائهم فلعل احتلام آدم عليه السلام من القسم الجائر ويحتمل أيضا أن يكون منه