بالكمالات النظرية والعلمية والأب الصالح بالعقل المفارق الذي كمالاته بالفعل وبلوغ الأشد يوصولهما بتربية الشيخ وإرشاده إلى المرتبة الكاملة وهذا ما اختاره النيسابوري واختار غيره تأويلا آخر هو أدهى منه هذا والله تعالى الموفق للصواب وإليه المرجع والمآب ويسألونك عن ذي القرنين كان السؤال على وجه الامتحان والسائلون في المشهور قريش بتلقين اليهود وقيل : اليهود أنفسهم وروي ذلك عن السدي وأكثر الآثار تدل على أن الآية نزلت بعد سؤالهم فالتعبير بصيغة الاستقبال لاستحضار الصورة الماضية لما أن في سؤالهم على ذلك الوجه مع مشاهدتهم من أمره ما شاهدوا نوع غرابة وقيل : للدلالة على استمرارهم على السؤال إلى وردود الجواب وبعض الآثار يدل على أن الآية نزلت قبل فعن عقبة بن عامر قال : إن نفرا من أهل الكتاب جاؤا بالصحف أو الكتب فقالو لي : استأذن لنا على رسول الله لندخل عليه فانصرفت إليه E فأخبرته بمكانهم فقال : ما لي ولهم يسألونني عما لا أعلم إنما أنا عبد لا علم لي إلا ما علمني ربي ثم قال : ائتني بوضوء أتوضأ به فأتيته فتوضأ ثم قام إلى مسجد في بيته فركع ركعتين فانصرف حتى بدا السرور في وجهه ثم قال : اذهب فأدخلهم ومن وجدت بالباب من أصحابي فأدخلهم فلما رآهم النبي قال : إن شئتم أخبرتكم بما سألتموني عنه وإن شئتم غير ذلك فافعلوا والجمهور على الأول ولم تثبت صحة هذا الخبر .
واختلف في ذي القرنين فقيل : هو ملك أهبطه الله تعالى إلى الأرض وآتاه من كل شيء سببا وروى ذلك عن جبير بن نفير واستدل على ذلك بما أخرجه ابن عبد الحكم وابن المنذر وابن أبي حاتم وابن الأنباري في كتاب الأضداد وأبو الشيخ عن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه أنه سمع رجلا ينادي بمنى يا ذا القرنين فقال له عمر : ها أنتم قد سميتم بأسماء الأنبياء فما لكم وأسماء الملائكة وهذا قول غريب بل لا يكاد يصح والخبر على فرض صحته ليس نصا في ذلك إذ يحتمل ولو على بعد أن يكون المراد أن هذا الاسم من أسماء الملائكة عليهم السلام فلا تسموا به أنتم وأن تسمى به بعض من قبلكم من الناس .
وقيل : هو عبد صالح ملكه الله تعالى الأرض وأعطاه العلم والحكمة وألبسه الهيبة ولا نعرف من هو وذكر في تسميته بذي القرنين وجوه الأول أنه دعا إلى طاعة الله تعالى فضرب على قرنه الأيمن فمات ثم بعثه الله تعالى فدعا فضرب على قرنه الأيسر فمات ثم بعثه الله تعالى فسمي ذا القرنين وملك ما ملك وروي هذا عن علي كرم الله تعالى وجهه والثاني أنه انقرض في وقته قرنان من الناس الثالث أنه كانت صفحتا رأسه من نحاس وروي ذلك عن وهب بن منبه الرابع أنه كان في رأسه قرنان كالظلفين وهو أول من لبس العمامة ليسترهما وروي ذلك عن عن عبيد بن يعلي الخامس أنه كان لتاجه قرنان السادس أنه طاف في الدنيا أي شرقها وغربها وروي ذلك مرفوعا السابع أنه كان له غديرتان وروي ذلك عن قتادة ويونس بن عبيد الثامن أنه سخر له النور والظلمة فإذا سرى يهديه النور من أمامه وتمتد الظلمة من ورائه والتاسع أنه دخل النور والظلمة العاشر أنه رأى في منامه كأنه صعد إلى الشمس وأخذ بقرنيها .
الحادي عشر أنه يجوز أن يكون قد لقب بذلك لشجاعته كأنه ينطح أقرانه كما لقب أزدشير بهمن بطويل اليدين لنفوذ أمره حيث أراد ولا يخفى أنه يبعد عدم معرفة رجل مكر له ما مكن في الأرض وبلغ من الشهرة ما بلغ في طولها والعرض وأما الوجوه المذكورة في وجه تسميته ففيها ما لا يكاد يصح ولعله غير خفي عليك