إذا ما استوى الحالان في الحكم رجح الضمير وأما حين يختلفان بأن كان في التصريح إظهار حكمة كرفعة شان أو حقارة جاني كمثل أمير المؤمنين يقول ذا وما نحن فيه صرحوا بأمان وهذا على الإيجاز والبسط جاء في جوابي منثورا بحسن بيان وذكر في النثر وجها آخر للعدول وهو ما نقله السبكي ورده وقد ذكر أيضا النيسابوري وهو لعمري كما قال السبكي ويؤل إلى ما ذكر من أن الإظهار للتحقير قول بعض المحققين : إنه للتأكيد المقصود منه زيادة التشنيع وهو وجه وجيه عند كل نبيه ومن ذلك قوله تعالى فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم فأنزلنا على الذين ظلموا الآية ومثله كثير في الفصيح وقال بعضهم : إن الأهلين متغايران فلذا جيء بهما معا وقولهم : إذا أعيد المذكور أولا معرفة كان الثاني عين الأول غير مطرد وذلك لأن المراد بالأهل الأول البعض إذ في ابتداء دخول القرية لا يتأتى عادة إتيان جميع أهلها لا سيما على ما روي من أن دخولهما كان قبل غروب الشمس وبالأهل الثاني الجميع على لما ورد أنهما عليهما السلام كانا يمشيان على مجالس أولئك القوم يستطعمانهم فلو جيء بالضمير لفهم أنهما استطعما البعض وعكس بعضهم الأمر فقال : المراد بالأهل الأول الجميع ومعنى إتيانهم الوصول إليهم والحلول فيما بينهم وهو نظير إتيان البلد وهو ظاهر في الوصول إلى بعض منه والحلول فيه وبالأهل الثاني البعض إذ سؤال فرد فرد من كبار أهل القرية وصغارهم وذكورهم وإناثهم وأغنيائهم وفقرائهم مستبعد جدا والخبر لا يدل عليه ولعله ظاهر في أنهما استطعما الرجال وقد روي عن أبي هريرة والله تعالى أعلم بصحة الخبر أنه قال : أطعمتها امرأة من بربر بعد أن طلبا من الرجال فلم يطعموهما فدعيا لنسائهم ولعنا رجالهم فلذا جيء بالظاهر دون الضمير ونقل مثله عن الإمام الشافعي عليه الرحمة في الرسالة وأورد عليهما أن فيهما مخالفة لما هو الغالب في إعادة الأول لأن فائدة المغابرة المذكورة فيه زيادة التشنيع على أهل القرية كما لا يخفى .
واختار بعضهم على القول بالتأكيد أن المراد بالأهل في الموضعين الذين يتوقع من ظاهر حالهم حصول العرض منهم ويحصل اليأس من غيرهم باليأس منهم من المقيمين المتوطنين في القرية ومن لم يحكم العادة يقول : إنهما عليهما السلام أتوا الجميع وسألوهم لما أنهما على ما قيل قد مستهما الحاجة فأبوا أن يضيفوهما بالتشديد وقرأ الزبير والحسن وأبو رجاء وأبو رزين وأبو محيصن وعاصم في رواية المفضل وأبان بالتخفيف من الإضافة يقال ضافه إذا كان له ضيفا وأضافه وضيفه أنزله وجعله ضيفا وحقيقة ضاف مال من ضاف السهم عن الهدف يضيف ويقال أضافت الشمس للغروب وتضيف إذا مالت ونظيره زاره من الأزورار ولا يخفى ما في التعبير بالإباء من الإشارة إلى مزيد لؤم القوم لأنه كما قال الراغب شدة الامتناع ولهذا لم يقل : فلم يضيفوهما مع أنه أخضر فإنه دون ما في النظم الجليل في الدلالة على ذمهم ولعل ذلك الإستطعام كان طلبا للطعام على وجه الضيافة بأن يكونا قد قالا : إنا غريبان فضيفونا أو نحو ذلك كما يشير إليه التعبير بقوله تعالى فأبوا أن يضيفوهما دون فأبوا أن يطعموهما مع اقتضاء ظاهر استطعما أهلها إياه وإنما عبر باستطعما دون استضافا للإشارة إلى أن جل قصدهما الطعام دون الميل بهما إلى منزل وإيوائهما إلى محل وذكر بعضهم أن في أبوا أن يضيفوهما من التشنيع ما ليس في