بالقول بتعلم نبيهم عليه السلام ممن ليس مثله في الفضل أمر لا يساعده العقل وليس هو الا كالحمية الجاهلية إذ لا يبعد عقلا تعلم الافضل الا علم شيئا ليس عنده ممن هو دونه في الفضل والعلم ومن الامثال المشهورة قد يوجد في الاسقاط ما لا يوجد في الاسفاط وقالوا قد يوجد في المفضول مالا يوجد في الفاضل وقال بعضهم لا مانع من أن يكون قد أخفى الله سبحانه وتعالى علم المسائل التي تضمنتها القصة عن موسى عليه السلام على مزيد علمه وفضله لحكمة ولا يقدح ذلك في كونه أفضل وأعلم من الخضر عليه السلام وليس بشيء كما لا يخفى وبأنه سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا القول بأن القصة كانت بعد أن ظهر موسى عليه السلام على مصر مع بني اسرائيل واستقر بعد هلاك القبط فلا اجماع على أنها لم تكن بمصر نعم اليهود لا يقولون باستقرارهم في مصر بعد هلاك القبط وعليه كثير منا وحينئذ يقال إن عدم خروج موسى عليه السلام من التيه غير مسلم وكذلك اقتضاء ذلك الغيبة أياما لجواز أن يكون على وجه خارق للعادة كالتيه الذي وقعوا فيه وكنتق الجبل عليهم وغير ذلك من الخوارق التي وقعت فيهم وقد يقال يجوز أن يكون عليه السلام خرج وغاب أياما لكن لم يعلموا أنه عليه السلام ذهب لهذا الأمر وظنوا أنه ذهب يناجي ويتعبد ولم يوقفهم على حقيقة غيبته بعد أن رجع لعلمه بقصور فهمهم فخاف من حط قدره عندهم فهم القائلون اجعل لنا إلها كما لهم آلهة وأرنا الله جهرة وأوصى فتاه بكتم ذلك عنهم أيضا ويجوز أن يكون غاب عليه السلام وعلموا حقيقة غيبته لكن لم يتناقلوها جيلا بعد جيل لتوهم أن فيها شيئا مما يحط من قدره الشريف عليه السلام فلا زالت نقلتها تقل حتى هلكوا في وقت بختنصر كما هلك أكثر حملة التوراة ويجوز أن يكون قد بقي منهم أقل قليل إلى زمن نبينا صلى الله عليه وسلّم فتواصوا على كتمها وإنكارها ليوقعوا الشك في قلوب ضعفاء المسلمين ثم هلك ذلك القليل ولم تنقل عنه ولا يخفى أن باب الاحتمال واسع وبالجملة لا يبالي بإنكارهم بعد جواز الوقوع عقلا واخبار الله تعالى به ورسوله A فإن الآية ظاهرة في ذلك وبقرب من هذا الإنكار انكار النصارى تكلم عيسى عليه السلام في المهد وقد قدمنا أنه لا يلتفت إليه بعد اخبار الله تعالى به فعليك بكتاب الله تعالى ودع عنك الوساوس .
و إذ نصب على المفعولية باذكر محذوفا والمراد قل قال موسى لفتيه يوشع بن نون بن افراثيم بن يوسف عليه السلام فانه كان يخدمه ويتعلم منه ولذا أضيف إليه والعرب تسمي الخادم فتى لأن الخدم أكثر ما يكونون في سن الفتوة وكان فيما يقال ابن أخت موسى عليه السلام وقيل هو أخو يوشع عليه السلام وأنكر اليهود أن يكون له أخ وقيل لعبده فالاضافة للملك وأطلق على العبد فتى لما في الحديث الصحيح ليقل أحدكم فتاي وفتاتي ولا يقل عبدي وأمتي وهو من آداب الشريعة وليس اطلاق ذلك بمكروه خلافا لبعض بل خلاف الاولى وهذا القول مخالف للمشهور وحكم النووي بانه قول باطل وفي حل تملك النفس في بني إسرائيل كلام ومثله في البطلان القول الثاني لمنافاة كل الاخبار الصحيحة لا أبرح من برح الناقص كزال يزال أي لا أزال أسير فحذف الخبر اعتمادا على قرينة الحال إذ كان ذلك عند التوجه إلى السفر واتكالا على ما يعقبه من قوله حتى أبلغ إذ الغاية لا بد لها من مغيا والمناسب لها هنا المسير وفيما بعد أيضا ما يدل على ذلك وحذف الخبر فيها قليلا كما ذكره الرضي ومنه قول الفرزدق ... . فما برحوا حتى تهادت نساؤهم ... ببطحاء ذي قار عياب اللطائم