مضافا للمفعول وأنشد أبو علي في ذلك ... ومهمه هالك من تعرجا ... .
أي مهلكه وتعقبه أبو حيان بأنه لا يتعين ذلك في البيت بل قد ذهب بعض النحويين إلى إن هالكا فيه لازم وأنه من باب الصفة المشبهة والأصل هالك من تعرجا بجعل من فاعلا لهالك ثم أضمر في هالك ضمير مهمه وانتصب من على التشبيه بالمفعول ثم أضيف من نصب والصحيح جواز استعمال الموصول في باب الصفة المشبهة وقد ثبت في أشعار العرب قال عمرو بن أبي ربيعة ... . أسيلات أبدان دقاق خصورها ... وثيرات ما التفت عليها الملاحف ... .
وقرأ حفص وهرون وحماد ويحيى عن أبي بكر بفتح الميم واللام وقراءة الجمهور بضم الميم وفتح اللام وهو مصدر أيضا وجعله اسم مفعول على معنى وجعلنا لمن أهلكناه منهم في الدنيا موعدا ننتقم فيه منه أشد انتقام وهو يوم القيامة أو جهنم لا يخفى ما فيه والظاهر أن الآية استشهاد على ما فعل بقريش من تعيين الموعد ليعتبروا ولا يغتروا بتأخير العذاب عنهم وهي ترجح حمل الموعد فيما سبق على يوم بدر فتدبر والله تعالى أعلم وأخبر .
ومن باب الاشارة في الآيات واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي أمر بصحبة الفقراء الذين انقطعوا لخدمة مولاهم وفائدتها منه E تعود عليهم وذلك لأنهم عشاق الحضرة وهو صلى الله عليه وسلّم مرآتها وعرش تجليها ومعدن أسرارها ومشرق أنوارها فمتى رأوه A عاشوا ومتى غاب عنهم كئبوا وطاشوا وأما صحبة الفقراء بالنسبة إلى غيره صلى الله تعالى عليه وسلم ففائدتها تعود إلى من صحبهم فهم القوم لا يشقى بهم جليسهم وقال عمرو المكي صحبة الصالحين والفقراء الصادقين عيش أهل الجنة يتقلب معهم جليسهم من الرضا إلى اليقين ومن اليقين إلى الرضا ولأبي مدين من قصيدته المشهورة التي خمسها الشيخ محيي الدين قدس سره ... . ما لذة العيش إلا صحبة الفقرا ... هم السلاطين والسادات والأمرا ... فاصحبهم وتأدب في مجالسهم ... وخل حظك مهما قدموك ورا ... واستغنم الوقت واحضر دائما معهم ... واعلم بأن الرضا يختص من حضرا ... ولازم الصمت إلا إن سئلت فقل ... لا علم عندي وكن بالجهل مستترا ... .
إلى أن قال : ... وإن بدا منك عيب فاعترف وأقم ... وجه اعتذارك عما فيك منك جرا ... وقل عبيدكم أولى بصفحكم ... فسامحوا وخذوا بالرفق يا فقرا ... هم بالتفضل أولى وهو شيمتهم ... فلا تخف دركا منهم ولا ضررا ... .
وعني بهؤلاء السادة الصوفية وقد شاع إطلاق الفقراء عليهم لأن الغالب عليهم الفقر بالمعنى المعروف وفقرهم مقارن للصلاح وبذلك يمدح الفقر وأما إذا اقترن بالفساد فالعياذ بالله تعالى منه فمتى سمعت الترغيب في مجالسة الفقير فاعلم أن المراد منه الفقير الصالح والآثار متظافرة في الترغيب في ذلك فعن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما موقوفا تواضعوا وجالسوا المساكين تكونوا من كبار عبيد الله تعالى وتخرجوا من الكبر وفي الجامع الجلوس مع الفقراء من التواضع وهو من أفضل الجهاد وفي رواية أحبوا الفقراء وجالسوهم ومن فوائد مجالستهم إن العبد يرى نعمة الله تعالى عليه ويقنع باليسير من الدنيا ويأمن في مجالستهم من المداهنة والتملق