في الأمور الثبوتية كرحيم ورحمن ولا وجه له مدفوع بأن ما ذكره نكتة لوقوع التفرقة بين الأمرين هنا بأنه اعتبرت المبالغة في جانب الترك دون مقابله لأن الترك عدمي يجوز فيه عدم التناهي بخلاف الآخر ألا ترى أن ترك عذابهم دال على ترك جميع أنواع العقوبات في العاجل وإن كانت غير متناهية كذا قيل وفيه نظر .
وربما يقال في توجيه ما قاله النيسابوري من أن ذو الرحمة لا يخلو عن المبالغة : إن ذلك إما لاقتران الرحمة بأل فتفيد الرحمة الكاملة أو الرحمة المعهودة التي وسعت كل شيء وإما لذو فإن دلالته على الاتصاف في مثل هذا التركيب فوق دلالة المشتقات عليه ولا يكاد يدل سبحانه على اتصافه تعالى بصفة بهذه الدلالة إلا وتلك الصفة مرادة على الوجه الأبلغ وإلا فما الفائدة في العدول عن المشتق الأخصر الدال على أصل الاتصاف كالراحم مثلا إلى ذلك ولا يعكر على هذا أن المبالغة لو كانت مرادة فلم عدل عن الأخصر أيضا المفيد لها كالرحيم أو الرحمن إلى ما ذكر لجواز أن يقال : إنه أريد أن لا تقيد الرحمة المبالغ فيها لكونها في الدنيا أو في الآخرة وهذان الاسمان يفيدان التقييد على المشهور ولذا عدل عنهما إلى ذو الرحمة وإذا قلت هما مثله في عدم التقييد قيل إن دلالته على المبالغة أقوى من دلالتهما عليها بأن يدعى أن تلك الدلالة بواسطة أمرين لا يعدلهما في قوة الدلالة ما يتوسط في دلالة الاسمين الجليلين عليها وعلى هذا يكون ذو الرحمة أبلغ من كل واحد من الرحمن والرحيم وإن كانا معا ابلغ منه ولذا جيء بهما في البسملة دونه ومن أنصف لم يشك في أن قولك فلان ذو العلم أبلغ من قولك فلان عليم بل ومن قولك فلان العليم من حيث أن الأول يفيد أنه صاحب ماهية العلم ومالكها ولا كذلك الأخيران وحينئذ يكون التفاوت بين الخبرين في الآية بأبلغية الثاني ووجه ذلك ظاهر فإن الرحمة أوسع دائرة من المغفرة كما لا يخفى والنكتة فيه ههنا مزيد إيناسه صلى الله عليه وسلّم بعد أن أخبره سبحانه بالطبع على قلوب بعض المرسل إليهم وآيسه من اهتدائهم مع علمه جل شأنه بمزيد حرصه E على ذلك وهو السر في إيثار عنوان الربوبية مضافا إلى ضميره A انتهى .
وهو كلام واقف في اعراف الرد والقبول في النظر الجليل ومن دقق علم ما فيه من الأمرين وإنما قدم الوصف الأول لأن التخلية قبل التحلية أو لأنه أهم بحسب الحال والمقام إذ المقام على ما قاله المحققون مقام بيان تأخير العقوبة عنهم بعد استيجابهم لها كما يعرب عنه قوله تعالى لو يؤاخذهم أي لو يريد مؤاخذتهم بما كسبوا أي فعلوا وكسب الاشعري لا تفهمه العرب وما إما مصدرية أي بكسبهم واما موصولة أي بالذي كسبوه من المعاصي التي من جملتها ما حكى عنهم من مجادلتهم بالباطل واعراضهم عن آيات ربهم وعدم المبالاة بما اجترحوا من الموبقات لعجل لهم العذاب لاستيجاب أعمالهم لذلك قيل وإيثار المؤاخذة المنبئة عن شدة الاخذ بسرعة على التعذيب والعقوبة ونحوهما للايذان بأن النفي المستفاد من مقدم الشرطية متعلق بوصف السرعة كما ينبئ عنه تاليها وإيثار صيغة الاستقبال وان كان المعنى على المضي لافادة أن انتفاء تعجيل العذاب لهم بسبب استمرار عدم ارادة المؤاخذة فان المضارع الواقع موقع الماضي يفيد استمرار الفعل فيما مضى بل لهم موعد وهو يوم بدر أو يوم القيامة على أن الموعد اسم زمان وجوز أن يكون اسم مكان والمراد منه جهنم والجملة معطوفة على مقدر كأنه قيل لكنهم ليسوا مؤاخذين