التوافق والتخالف في الزمان فإذا كان في الواقع كذلك فلا خفاء فيه وإن لم يكن فلا بد للعدول من وجه فإن كان أحدهما قيدا للآخر وهو ماض بالنسبة إليه فهو حقيقة ووجهه ما ذكر ولا تكون الجملة معطوفة حينئذ فإن عطفت وجعل المضي بالنسبة لأحد المتعاطفين فلا مانع منه وهل هو حقيقة أو مجاز محل تردد والذي يحكم به الإنصاف اختيار قول أبي حيان من أولوية الحالية على ذلك والقول بأنه لا وجه وحينئذ يقدر قد عند الأكثرين أي وقد حشرناهم فلم نعاذر منهم أحدا 47 أي لم نترك يقال غادره وأغدره إذا تركه ومنه الغدر الذي هو ترك الوفاء والغدير الذي هو ماء يتركه السيل في الأرض وقريء يغادر بالياء التحتية على أن الضمير لله تعالى على طريق الإلتفات .
وقرأ قتادة تغادر بالتاء الفوقية على أن الضمير للأرض كما في قوله تعالى وألقت ما فيها وتخلت وجوز أبو حيان كونه للقدرة وقرأ أبان بن يزيد عن عاصم كذلك أو بفتح الدال مبنيا للمفعول ورفع أحد على النيابة عن الفاعل وقرأ الضحاك نغدر بضم النون وإسكان الغين وكسر الدال وعرضوا على ربك أحضروا محل حكمه وقضائه D فيهم صفا مصطفين أو مصفوفين .
فقد أخرج ابن منذر في التوحيد عن معاذ بن جبل أن النبي صلى الله عليه وسلّم قال إن الله تعالى ينادي يوم القيامة يا عبادي أنا الله لا إله إلا أنا أرحم الراحمين وأحكم الحاكمين وأسرع الحاسبين أحضروا حجتكم ويسروا جوابا فإنكم مسؤولون محاسبون يا ملائكتي أقيموا عبادي صفوفا على أطراف أنامل أقدامهم للحساب وفي الحديث الصحيح يجمع الله تعالى الأولين والآخرين في صعيد واحد صفوفا يسمعهم الداعي وينفذهم البصر الحديث بطوله وقيل تقام كل أمة وزمرة صفا .
وفي بعض الأخبار أهل الجنة يوم القيامة مائة وعشرون صفا أنتم منها ثمانون وقيل لا عرض بالمعنى المعروف ولا اصطفاف والكلام خارج مخرج الإستعارة التمثيلية شبهت حالهم في حشرهم بحال جند عرضوا على السلطان ليأمر فيهم بما يأمر وقيل إن فيه استعارة تبعية بتشبيه حشرهم بعرض هؤلاء ومعنى صفا سواء كان داخلا في الإستعارة التمثيلية أو كان ترشيحا غير متفرقين ولا مختلطين فلا تعرض فيه لوحدة الصف وتعدده .
ولا حاجة إلى أن يقال إنه مفرد أريد به الجمع لكونه مصدرا أي صفوفا أو يقال إن الأصل صفا صفا على أن هذا مع بعده يرد عليه أن ما يدل على التعدد بالتكرار كبابا بابا وصفا صفا لا يجوز حذفه هذا والحق أن إنكار الإصطفاف مما لا وجه له بعد إمكانه وصحة الأخبار فيه ولعل ما فسرنا به الآية مما لا غبار عليه وفي الإلتفات إلى الغيبة وبناء الفعل للمفعول مع التعرض لعنوان الربوبية والإضافة إلى ضميره A من تربية المهابة والجري على سنن الكبرياء وإظهار اللطف به E ما لا يخفى وقيل في قوله تعالى على ربك إشارة إلى غضب الله تعالى عليهم وطردهم عن ديوان القبول بعدم جريهم على معرفتهم لربوبيته D لقد جئتمونا خطاب للكفار المنكرين للبعث على إضمار القول ويكون حالا مما تقدم فيقدر قائلين أو نقول إن كان حالا من فاعل حشرنا أو قائلا أو يقول إن كان من ربك أو مقولا لهم أو يقال لهم إن كان من ضمير عرضوا