به ضرب جميع بدنه وأبقى غير واحد الغداة والعشي على ظاهر هما ولم يرد عموم الأوقات أي يعبدونه في طرفي النهار وخصا بالذكر لأنهما محل الغفلة والاشتغال بالأمور والمراد بتلك العبادة قيل ذكر الله تعالى وروي ذلك من طريق مغيرة عن إبراهيم وقيل : قراءة القرآن وروي ذلك عن عبيد الله بن عبد الله بن عدي بن الخيار وأخرج الحكيم الترمذي عن ابن جبير أن المراد بها المفاوضة والحلال والحرام .
وعن ابن عمر ومجاهد هي شهود الصلوات الخمس وعن قتادة شهود صلاة الصبح والعصر وفيما تقدم ما يؤيد ظاهره أولها فتدبر جدا والمراد بالموصول فقراء الصحابة عمار وصهيب وسلمان وابن مسعود وبلال وأضرابهم قال كفار قريش كأمية بن خلف وغيره من صناديد أهل مكة لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك فإن ريح جبابهم تؤذينا فنزلت الآية وأخرج ابن مردويه وأبو نعيم في الحلية والبيهقي في شعب الإيمان عن سلمان قال : جاءت المؤلفة قلوبهم إلى رسول الله عيينة بن بدر والأقرع بن حابس فقالوا : يا رسول الله لو جلست في صدر المجلس وتغيبت عن هؤلاء وأرواح جبابهم يعنون سلمان وأبا ذر وفقراء المسلمين وكانت عليهم جباب الصوف جالسناك أو حدثناك وأخذنا عنك فأنزل الله تعالى واتل ما أوحي إليك من كتاب ربك إلى قوله سبحانه أعتدنا للظالمين نارا يتهددهم بالنار وروى أبو الشيخ عن سلمان أنها لما نزلت قام رسول الله E يلتمسهم حتى أصابهم في مؤخر المسجد يذكرون الله تعالى فقال : الحمد لله الذي لم يمتني حتى أمرني أن أصبر نفسي مع رجال من أمتي معكم الحياة والممات .
والآية على هذا مدنية وعلى الأول مكية قال أبو حيان : وهو أصح لأن السورة مكية وأقول : أكثر الروايات تؤيد الثاني وعليه تكون الآيات مستثناة من حكم السورة وكم مثل ذلك وقد أخرج ما يؤيد الأول ابن مردويه من طريق جويبر عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما ولعل الآيات بعد تؤيده أيضا والتعبير عن أولئك بالموصول لتعليل الأمر بما في حيز الصلة من الخصلة الداعية إلى إدامة الصحبة وقرأ ابن عامر بالغدوة وخرج ذلك على ما ذكره سيبويه والخليل من أن بعض العرب ينكر غدوة فيقول : جاء زيد غدوة بالتنوين على أن الرضى قال : إنه يجوز استعمالها نكرة اتفاقا والمشهور أن الأكثر استعمالها علم الجنس ممنوعا من الصرف فلا تدخل عليها لأنه لا يجتمع في كلمة تعريفان ومتى أريد إدخالها عليها قصد تنكيرها فأدخلت كما قصد تنكير العلم الشخصي في قوله : وقد كان منهم صاحب وابن عمه أبو جندل والزيد زيد المعارك والقراءة المذكورة مخرجه على ذلك واختار بعض المحققين التخريج الأول وقال : إنه أحسن دراية ورواية لأن التنكير في العلم الشخصي ظاهر وأما في الجنسي ففيه خفاء لأنه شائع في إفراده قبل تنكيره فتنكير إنما يتصور بترك حضوره والذهن الفارق بينه وبين النكرة وهو خفي ولذا أنكره الفناري في حواشيه على التلويح في تنكير رجب علم الشهر انتهى وللبحث فيه محال .
وهذه الآية كما في البحر أبلغ من التي في الأنعام وهي قوله تعالى : ولا تطرد الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون بذلك الدعاء وجهه أي رضاه سبحانه وتعالى دون الرياء والسمعة بناء على ما قاله الإمام السهيلي من أن الوجه إذا أضيف إليه تعالى يراد به الرضا والطاعة المرضية مجاز لأن من رضى