والخلاف في ذلك معلوم ولعل تقديم ما يدل على عظم شأن بصره D لما أن ما نحن بصدده من قبيل المبصرات والأصل أبصر وأسمع والهمزة للصيرورة لا للتعدية أي صار ذا بصر وصار ذا سمع ولا يقتضي ذلك عدم تحققهما له تعالى تعالى عن ذلك علوا كبيرا وفيهما ضمير مستتر عائد عليه سبحانه ثم حولا إلى صيغة الأمر وبرز الضمير الفاعل لعدم لياقة صيغة الأمر لتحمل ضمير الغائب وجر بالباء الزائدة فكان له محلان الجر لمكان الباء والرفع لمكان كونه فاعلا ولكونه صار فضلة صورة وأعطى حكمها فصح حذفه من الجملة الثانية مع كونه فاعلا والفاعل لا يجوز حذفه عندهم ولا تكاد تحذف هذه الباء في هذا الموضع إلا إذا كان المتعجب منه إن وصلتها نحو أحسن أن تقول وهذا الفعل لكونه ماضيا معنى قيل إنه مبني على فتح مقدر منع من ظهوره مجيئه على صورة الأمر وهذا مذهب س في هذا التركيب قال الرضي : وضعف ذلك بأن الأمر بمعنى الماضي مما لم يعهد بل جاء الماضي بمعنى الأمر كما في حديث اتقى الله أمرؤ فعل خيرا يثب عليه وبأن صار ذا كذا قليل ولو كان ما ذكر منه لجاز ألحم بزيد وأشحم بزيد وبأن زيادة الباء في الفاعل قليل والمطرد زيادتها في المفعول .
وتعقب بأن كون الأمر بمعنى الماضي مما لم يعهد غير مسلم ألا ترى أن كفى به بمعنى أكتف به عند الزجاج وقصد بهذا النقل الدلالة على أنه قصد به معنى انشائي وهو التعجب ولم يقصد ذلك من الماضي لأن الإنشاء أنسب بصيغة الأمر منه لأنه خبر في الأكثر وبأن كثره أفعل بمعنى صار ذا كذا لا تخفى على المتتبع وجواز ألحم بزيد على معنى التعجب لازم ولا محذور فيه وعلى معنى آخر غير لازم نعم ما ذكر من قلة زيادة الباء في الفاعل مما لا كلام فيه والإنصاف أن مذهب س في هذه المسئلة لا يخلو عن تعسف ومذهب الأخفش وعزاه الرضي إلى الفراء أن أفعل في نحو هذا التركيب أمر لفظا ومعنى فإذا قلت أحسن بزيد فقد أمرت كل واحد بأن يجعل زيدا حسنا ومعنى جعله كذلك وصفه به فكأنك قلت صفه بالحسن كيف شئت فإن فيه منه كل ما يمكن أن يكون في شخض كما قال الشاعر : لقد وجدت مكان القول ذا سعة فإن وجدت لسانا قائلا فقل وهذا المعنى مناسب للتعجب بخلاف تقدير س وأيضا همزة الجعل أكثر من همزة صار ذا كذا وإن لم يكن شيء منهما على ما قال الرضي قياسا مطردا واعتبر الفاعل ضميرا لمأمور وهو كل أحد لأن المراد أنه لظهور الأمر يؤمر كل أحد لا على التعيين بوصفه بما ذكر ولم يتصرف في أفعل على هذا المذهب فيسند إلى مثنى أو مجموع أو مؤنث لما ذكروا من علة كون فعل التعجب غير متصرف وهي مشابهته الحروف في الإنشاء وكون كل لفظ من ألفاظه صار علما لمعنى من المعاني وإن كان هناك جملة فالقياس أن لا يتصرف فيه احتياطا لتحصيل الفهم كأسماء الأعلام فلذا لم يتصرف في نعم وبئس في الأمثال وسهل ذلك هنا انمحاء معنى الأمر فيه كمن محى معنى الجعل وصار لمحض إنشاء التعجب ولم يبق فيه معنى الخطاب والباء زائدة في المفعول وأجاز الزجاج أن تكون الهمزة للصيرورة فتكون الباء للتعدية أي صيره ذا حسن ثم أنه اعتذر لبقاء أحسن في الأحوال على صورة واحدة لكون الخطاب لمصدر الفعل أي يا حسن أحسن بزيد وفيه تكلف وسماجة