وأبو يوسف على جري القود بين الذكر والأنثى بآية وكتبنا عليهم والكرخي على جريه بين الحر والعبد والمسلم والذمي بتلك الآية الواردة في بني إسرائيل إلى غير ذلك لأنا نقول : مذهبنا في شرع من قبلنا وإن كان إنه يلزمنا على أن شريعتنا لكن لا مطلقا بل إن قصة الله تعالى علينا بلا إنكار وإنكار رسوله كإنكاره D وقد سمعت أنه E لعن الذين يتخذون المساجد على القبور على أن كون ما ذكر من شرائع من قبلنا ممنوع وكيف يمكن أن يكون اتخاذ المساجد على القبور من الشرائع المتقدمة مع ما سمعت من لعن اليهود والنصارى حيث اتخذوا قبور أنبيائهم مساجد والآية ليس كالآيات التي ذكرنا آنفا احتجاج الأئمة بها وليس فيها أكثر من حكاية قول طائفة من الناس وعزمهم على فعل ذلك وليست خارجة مخرج المدح لهم والحض على التأسي بهم فمتى لم يثبت أن فيهم معصوما لا يدل فعلهم فضلا عن عزمهم على مشروعية ما كانوا بصدده ومما يقوي قلة الوثوق بفعلهم القول بأن المراد بهم الأمراء والسلاطين كما روي عن قتادة وعلى القائل أن يقول : إن الطائفة الأولى كانوا مؤمنين عالمين بعدم مشروعية اتخاذ المساجد على القبور فأشاروا بالبناء على باب الكهف وسده وكف كف التعرض عن أصحابه فلم يقبل الأمراء منهم وغاظهم ذلك حتى أقسموا على اتخاذ المسجد وكان الأولين إنما لم يشيروا بالدفن مع أن الظاهر أنه هو المشروع إذ ذاك في الموتى كما أنه هو المشروع عندنا فيهم لعدم تحققهم موتهم ومنعهم من تحقيقه أنهم لم يقدروا كما أخرج عبد الرزاق وابن المنذر عن وهب بن منبه على الدخول عليهم لما أفيض عليهم من الهيبة ولهذا قالوا ربهم أعلم بهم وإن أبيت إلا حسن الظن بالطائفة الثانية فلك أن تقول : إن اتخاذهم المسجد عليهم ليس على طرز اتخاذ المساجد على القبور المنهى عنه الملعون فاعله وإنما هو اتخاذ مسجد عندهم وقريبا من كهفهم وقد جاء التصريح بالعندية في رواية القصة عن السدي ووهب ومثل هذا الاتخاذ ليس محظورا إذ غاية ما يلزم على ذلك أن يكون نسبة المسجد إلى الكهف الذي هم فيه كنسبة المسجد النبوي إلى المرقد المعظم صلى الله تعالى على من فيه وسلم ويكون قولهم لنتخذن عليهم على هذا لمشاكلة قول الطائفة ابنوا عليهم وإن شئت قلت : إن ذلك الاتخاذ كان على الكهف فوق الجبل الذي هو فيه وفي خبر مجاهد أن الملك تركهم في كهفهم وبنى على كهفهم مسجدا وهذا أقرب لظاهر اللفظ كما لا يخفى وهذا كله إنما يحتاج إليه على القول بأن أصحاب الكهف ماتوا بعد الإعثار عليهم وأما على القول بأنهم ناموا كما ناموا أو لا فلا يحتاج إليه على ما قيل وبالجملة لا ينبغي لمن له أدنى رشد أن يذهب إلى خلاف ما نطقت به الأخبار الصحيحة والآثار الصريحة معولا على الاستدلال بهذه الآية فإن ذلك في الغواية غاية وفي قلة النهي نهاية وقد رأيت من يبيح ما يفعله الجهلة في قبور الصالحين من أشرافها وبنائه بالجص والآجر وتعليق القناديل عليها والصلاة إليها والطواف بها واستلامها والاجتماع عندها في أوقات مخصوصة إلى غير ذلك محتجا بهذه الآية الكريمة وبما جاء في بعض روايات القصة من جعل الملك لهم في كل سنة عيدا وجعله إياهم في توابيت من ساج ومقيسا البعض على البعض وكل ذلك محادة لله تعالى ورسوله وإبداع دين لم يأذن به الله D .
ويكفيك في معرفة الحق تتبع ما صنع أصحاب رسول الله في قبره E وهو أفضل قبر على وجه الأرض بل أفضل من العرش ولوقوف على أفعالهم في زيارتهم له والسلام عليه عليه الصلاة