أمثال هذه الآيات كثيرة ولكن المشفع بها من وفقه الله تعالى للتأمل فيها والاستبصار بها فالمراد بمن إما الفتية وأما يعمهم وغيرهم وفيه ثناء عليهم أيضا وهو كما ترى .
وجعله بعضهم ثناء على الله تعالى لمناسبة قوله سبحانه وزدناهم هدى وربطنا وملاءمة قوله D ومن يضلل يخلق فيه الضلال لصرف اختياره إليه فلن تجد له أبدا وإن بالغت في التتبع والاستقصاء وليا ناصرا مرشدا 71 يهديه إلى الحق ويخلصه من الضلال لاستحالة وجوده في نفسه لا أنك لا تجده مع وجوده أو إمكانه إذ لو أريد مدحهم لاكتفى بقوله تعالى فهو المهتد وفيه أنه لا يطابق المقام والمقابلة لا تنافي المدح بل تؤكده ففيه تعريض بأنهم أهل الولاية والرشاد لأن لهم الولي المرشد ولعل في الآية صنعة الاحتباك وتحسبهم بفتح السين .
وقرأ نافع وابن كثير وأبو عمرو والكسائي بكسرها أي تظنهم والخطاب فيه كما فيما سبق والظاهر أن هذا إخبار مستأنف وليس على تقدير شيء وقيل في الكلام حذف والتقدير ولو رأيتهم تحسبهم أيقاظا جمع يقض بكسر القاف كإنكاد ونكد كما في الكشف وبضمها كأعضاد وعضد كما في الدر المصون .
وفي القاموس رجل يقض كندس وكتف فحكى اللغتين ضم العين وكسرها وهو اليقظان ومدار الحسبان انفتاح عيونهم على هيئة الناظر كما قال غير واحد وقال ابن عطية : يحتمل أن يحسب الرائي ذلك لشدة الحفظ الذي كان عليهم وقلة التغير وذلك لأن الغالب على النيام استرخاء وهيآت يقتضيها النوم فإذا لم تكن لنائم يحسبه الرائي يقظان وإن كان مسدود العينين وإن صح فتح أعينهم بسند يقطع العذر كان أبين في هذا الحسبان .
وقال الزجاج : مداره كثرة تقلبهم واستدل عليه بذكر ذلك بعد وفيه أنه لا يلائمه وهم رقود جمع راقد أي نائم وما قيل أنه مصدر أطلق على الفاعل واستوى فيه القليل والكثير كركوع وقعود لأن فاعلا لا يجمع على فعول مردود لأنه نص على جمعه كذلك النحاة كما صرح به في المفصل والتسهيل وهذا تقرير لما لم يذكر فيما سلف اعتمادا على ذكره السابق من الضرب على ءاذانهم ونقلبهم في رقدتهم كثيرا ذات اليمين أي جهة تلي أيمانهم وذات الشمال أي جهة تلي شمائلهم كيلا تأكل الأرض ما عليها من أبدانهم كما أخرجه سعيد بن منصور وابن المنذر عن ابن جبير واستبعد ذلك وقال الإمام : إنه عجيب فإن الله تعالى الذي قدر على أن يبقيهم أحياء تلك المدة الطويلة هو D قادر على حفظ أبدانهم أيضا من غير تقليب وأجيب بأنه اقتضت حكمته تعالى أن يكون حفظ أبدانهم بما جرت به العادة وإن لم نعلم وجه تلك الحكمة ويجري نحو هذا فيما قيل في التزاور وأخيه وقيل يمكن أن يكون تقليبهم حفظا لما هو عادتهم في نومهم من التقلب يمينا وشمالا اعتناء بشأنهم .
وقيل يحتمل أن يكون ذلك إظاهرا لعظيم قدرته تعالى في شأنهم حيث جمع الله تعالى شأنه فيهم الإنامة الثقيلة المدلول عليها بقوله تعالى : فضربنا على آذانهم والتقليب الكثير ومما جرت به العادة أن النوم الثقيل لا يكون فيه تقلب كثير ولا يخفى بعده واختلف في أوقات تقليبهم فأخرج ابن أبي حاتم وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنهم كانوا يقلبون في كل ستة أشهر مرة وأخرج غير واحد عن