أن ليس المراد بالكتاب القدر المشترك الصادق على ما يقرأ في الصلاة حتى يعتبر في التسمية مبدئيتها له وحكى المرسي أنها سميت بذلك لأنها أول سورة كتبت في اللوح ويحتاج إلى نقل وإن صححنا أن ترتيب القرآن الذي في مصاحفنا كما في اللوح فلربما كتب التالي ثم كتب المتلو وغلبة الظن أمر آخر وثانيهما فاتحة القرآن لما قدمنا حذو القذة بالقذة وثالثها ورابعها أم الكتاب وأم القرآن وحديث لا يقولن أحدكم أم الكتاب وليقل فاتحة الكتاب لا أصل له بل قد ثبت في الصحاح تسميتها به كما لا يخفى على المتتبع وسميت بذلك لأن الإبتداء كتابة أو تلاوة أو نزولا على قول أو صلاة بها وما بعدها تال لها فهي كالأم التي يتكون الولد بعدها ويقال أيضا للراية أم لتقدمها وإتباع الجيش لها ومنه أم القرى أو لإشتمالها كما قال العلامة على مقاصد المعاني التي في القرآن من الثناء على الله تعالى بما هو أهله ومن التعبد بالأمر والنهي ومن الوعيد أما الثناء فظاهر وأما التعبد فأما من الحمد لله لأنه للتعليم فيقدر أمر يفيده والأمر الإيجابي يلزمه النهي عن الضد في الجملة ولا نرى فيه بأسا أو من أهدنا الصراط المستقيم إن أريد به ملة الإسلام أو من تقدير قولوا بسم الله ومن تأخير متعلقه وإما من إياك نعبد فإنه إخبار عن تخصيصه بالعبادة وهي التحقق بالعبودية بإرتسام ما أمر السيد أو نهى فيدل في الجملة على أنهم متعبدون ولا يرد على المعتزلة عدم سبق أمر ونهي أصلا ويجاب عندنا بعد تسليم العدم للأولية بأن راس العبادة التوحيد وفي الصدر ما يرشد إليه لا سيما وقد سبق تكليفه صلى الله تعالى عليه وسلم بالتوحيد وتبليغ السورة وذلك يكفي وأما الوعد والوعيد فمن قوله تعالى أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم أو من يوم الدين أي الجزاء والمجزي أما ما يسر أو ما يضروهما الثواب والعقاب وإنما كانت المقاصد هذه لأن بعثة الرسل وإنزال الكتب رحمة للعباد وإرشادا إلى ما يصلحهم معاشا ومعادا وذلك بمعرفة من يقدر على إيصال النعم إيجادا وإمدادا ثم التوصل إليه بما يربط العتيد ويجلب المزيد عملا وإعتقادا والتنصل عما يفضي به إلى رجع المحصل ومنع المستحصل قلوبا وأجسادا والثناء فرع معرفة المثنى عليه مع الإستحقاق وتدخل المعرفة بصفات الجلال والجمال ومنها ما منه الإرسال والإنزال والتفاوت بين المطيع والمذنب فدخل الإيمان بالله تعالى وصفاته والنبوات والمعاد على الإجمال والتعبد يتمكن به من التوصل والتنصل ويدخل فيه من وجه الإيمان بالنبوات وما يتعلق بها من الكتاب والملائكة إذ الأمر والنهي فرع ثبوت ذلك في الجملة والوعد والوعيد يتضمنان الإيمان بالمعاد ويبعثان على التعبد والناس كابل مائة لا تجد فيها راحلة والأكثرون بعثتهم الرغبة والرهبة وأوسطهم الرجاء والخوف والخواص وقليل ما هم الأنس والهيبة فبالثلاثة تم الإرشاد إلى مصالح المعاش والمعاد ولا أحصر لك وجه الحصر بهذا فلمسلك الذهن إتساع ولك أن ترد الثلاثة إلى إثنين فتدرج الثناء في التعبد إذ لا حكم للعقل ولعله إنما جعله قسيما له تلميحا إلى أن شكر المنعم واجب عقلا مراعاة لمذهب الإعتزال ولم يبال البيضاوي بذلك فعبر بما عبر به من المقال أو لإشتمالها على جملة معانيه من الحكم النظرية والأحكام العملية التي هي سلوك الصراط المستقيم والإطلاع على مراتب السعداء ومنازل الأشقياء والأول