ما قيل في قوله تعالى ولما رجع موسى إلى قومه غضبان أسفا وجعل كل منهما فيه بالنسبة إلى بعض من القوم وعن قتادة تفسير الأسف هنا بالغضب وفي رواية أخرى بالحزن وفي صحيح البخاري تفسيره بالندم .
وعن مجاهد تفسيره بالجزع وأهل الحزن أكثر ولعل للترجي وهو الطمع في الوقوع أو الإشفاق منه وهي هنا استعارة أي وصلت إلى حالة يتوقع منك الناس ذلك لما يشاهد من تأسفك على عدم إيمانهم .
وقال العسكري : هي هنا موضوعة موضع النهي كأنه قيل لا تبخع نفسك وقيل موضع الإستفهام وجعله ابن عطية إنكارا على معنى لا تكن كذلك والقول بمجيء لعل للاستفهام قول كوفي والذي يظهر أنها هنا للإشفاق الذي يقصد به التسلي والحث على ترك التحزن والتأسف ويمكن أن يكون مراد العسكري ذلك وفي الآية عند غير واحد استعارة تمثيلية وذلك أنه مثل حاله في شدة الوجد على إعراب القوم وتوليهم عن الإيمان بالقرآن وكمال الحزن عليهم بحال من يتوقع منه إهلاك نفسه إثر فوت ما يحبه عند مفارقة أحبته تأسفا على مفارقتهم وتلهفا على مهاجرتهم ثم قيل ما قيل وهو أولى من اعتبار الاستعارة المفردة التبعية في الأطراف .
وجوز أن تكون من باب التشبيه لذكر طرفيه وهما النبي وباخع بأن يشبه E لشدة حرصه على الأمر بمن يريد قتل نفسه لفوات أمر وهو كما ترى .
إنا جعلنا ما على الأرض الظاهر عموم ما جميع ما لا يعقل أي سواء كان حيوانا أو نباتا أو معدنا أي جعلنا جميع ما عليها من غير ذوي العقول زينة لها تتزين به وتتحلى وهو شامل لزينة أهلها أيضا وزينة كل شيء بحسبه بالحقيقة وإنما هو زينة لأهلها وقيل لا يدخل في ذلك ما فيه إيذاء من حيوان ونبات ومن قال بعموم قال : لا شيء مما على الارض إلا وفيه جهة انتفاع ولا أقل من الاستدلال به على الصانع ووحدته وقص بعضهم ما بالأشجار والأنهار وآخر بالنبات لما فيه من الأزهار المختلفة الألوان والمنافع وآخر بالحيوان المختلف الأشكال والمنافع والأفعال وآخر بالذهب والفضة والرصاص والنحاس والياقوت والزبرجد واللؤلؤ والمرجان والألماس وما يجري مجرى ذلك من نفائس الأحجار .
وقالت فرقة : أريد بها الخضرة والمياه والنعم والملابس والثمار ولعمري إنه تخصيص لا يقبله الخواص على العموم وقيل إن ما هنا لمن يعقل والمراد بذلك على ما أخرج ابن أبي حاتم عن ابن جبير والحسن وجاء في رواية عن ابن عباس عن الرجال وعلى ما أخرج أبو نصر السجزي في الإبانة عن ابن عباس العلماء وعلى ما روى عكرمة الخلفاء والعلماء والأمراء وأنت تعلم أن جعل ما لمن يعقل مع إرادة ما ذكر بعيد جدا ولعل أولئك الأجلة أرادوا من ما العقلاء وغيرهم تغليبا للأكثر على غيره وما على الأرض بهذا المعنى ليس إلا بعض العناصر الأربعة والمواليد الثلاثة وأشرف ذلك المواليد وأشرفها نوع الإنسان وهو متفاوت الشرف بحسب الأصناف فيمكن أن يكون ما ذكروه من باب الاقتصار على بعض أصناف هذا الأشرف لداع لذلك أصناف وقد يقال : المراد بما عموم ما لا يعقل ومن يعقل فيدخل من توجه إليه التكليف وغيره ولا ضير في ذلك فإن للمكلف جهتين جهة يدخل بها تحت الزينة وجهة يدخل بها تحت الإبتلاء المشار إليه بقوله تعالى لنبلوهم وقد نص سبحانه على بعض المكلفين بأنهم زينة في قوله تعالى المال والبنون زينة الحياة الدنيا ومن هنا يعلم ما في قول القاضي الأولى أن لا يدخل المكلف لأن ما على الأرض ليس زينة لها بالحقيقة وإنما هو زينة لأهلها لغرض الابتلاء فالذي له الزينة