إلى ما أظهره عليه السلام من المعجزات ويعتبر إظهار ذلك فيما يفصح عنه الفاء الفصيحة وإن أبيت إلا جعلها إشارة إلى الآيات المذكورة بذلك المعنى لتحقق جميعها من أول الأمر وثبوتها وقت المحاورة وشدة ملاءمة الإنزال لها احتجت إلى ارتكاب نوع تكلف فيما لا يخفى عليك وإني لأظنك يا فرعون مثبورا 201 أي هالكا كما روي عن الحسن ومجاهد على أنه من ثبر اللازم بمعنى هلك ومفعول فيه للنسب بناءا على أنه يأتي له من اللازم والمتعدي وفسره بعضهم بمهلكا وهو ظاهر وعن الفراء أنه قال : أي مصروفا عن الخير مطبوعا على الشر من قولهم : ما ثبرك عن هذا أي ما منعك وإليه يرجع ما أخرجه الطستي عن ابن عباس من تفسيره بملعونا محبوسا عن الخير .
وأخرج الشيرازي في الألقاب وابن مردويه من طريق ميمون بن مهران عنه رضي الله تعالى عنه تفسيره بناقص العقل وفي معناه تفسير الضحاك بمسحور قال : رد موسى عليه السلام بمثل ما قال له فرعون مع اختلاف اللفظ وأخرج ابن أبي الدنيا في ذم الغضب عن أنس بن مالك أنه سئل عن مثبورا في الآية فقال : مخالفا ثم قال : الأنبياء عليهم السلام من أن يلعنوا أو يسبوا وأنت تعلم أن هذا معنى مجازي له وكذا ناقصا العقل ولا داعي إلى ارتكابه وما ذكره الإمام مالك فيه ما فيه نعم قيل : إن تفسيره بهالكا ونحوه مما فيه خشونة ينافي قوله تعالى خطابا لموسى وهرون عليهما السلام : فقولا له قولا لينا وأشار أبو حيان إلى جوابه بأن موسى عليه السلام كان أولا يتوقع من فرعون المكروه كما قال : إننا نخاف أن يفرط علينا أو أن يطغى فأمر أن يقول له قولا لينا فلما قال سبحانه له : لا تخف وثق بحماية الله تعالى فصال عليه صولة المحمي وقابله من الكلام بما لم يكن ليقابله به قبل ذلك وفيه كلام ستطلع عليه إن شاء الله تعالى في محله وبالجملة التفسير الأول أظهر التفاسير ولا ضير فيه لا سيما مع تعبير موسى عليه السلام بالظن ثم أنه عليه السلام قد قارع ظنه بظنه وشتان ما بين الظنين فإن ظن فرعون إفك مبين وظن موسى عليه السلام يحوم حول اليقين .
وقرأ أبي وابن كعب وإن أخالك يا فرعون مثبورا على إن المخففة واللام الفارقة وأخال بمعنى أظن بكسر الهمزة في الفصيح وقد تفتح في لغة كما في القاموس .
فأراد فرعون أن يستفزهم أي موسى وقومه وأصل الاستفزاز الإزعاج وكنى به عن إخراجهم من الأرض أي أرض مصر التي هم فيها أو من جميع الأرض ويلزم إخراجهم من ذلك قتلهم واستئصالهم وهو المراد فأغرقناه ومن معه جميعا 301 أي فعكسنا عليه مكره حيث أراد ذلك لهم دونه فكان له دونهم فاستفز بالإغراق هو وقومه وهذا التعكيس أظهر من الشمس على الثاني وظاهر على الأول لأنه أراد إخراجه من مصر فأخرج هو أشد الإخراج بالإهلاك والزيادة لا تضر في التعكيس بل تؤيده .
وقلنا على لسان موسى عليه السلام من بعده أي من بعد فرعون على معنى من بعد إغراقه أو الضمير للإغراق المفهوم من الفعل السابق أي من بعد إغراقه وإغراق من معه لبني إسرائيل الذين