وجوز أن يكون مجازا عن لازمه وهو النفاد ونصب خشية على أنه مفعول له وجعله مصدرا في موضع الحال كما جوزه أبو البقاء خلاف الظاهر وقد بلغت هذه الآية من الوصف بالشح الغاية القصوى التي لا يبلغها الوهم حيث أفادت أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله تعالى التي لا تتناهى وانفردوا بملكها من غير مزاحم أمسكوها من غير مقتض إلا خشية الفقر وإن شئت فوازن بقول الشاعر : ولو أن دارك أنبتت لك أرضها إبرا يضيق بهل فناء المنزل وأتاك يوسف يستعيرك إبرة ليخيط قد قميصه لم تفعل مع أن فيه من المبالغات ما يزيد على العشرة ترى التفاوت الذي لا يحصر وجعل غير واحد الخطاب فيها عاما فيقتضي أن يكون كل واحد من الناس بخيلا كما هو الظاهر ما بعد مع أنه قد أثبت لبعضهم الإيثار مع الحاجة وأجيب بأن ذلك بالنسبة إلى الجواد الحقيقي والفياض المطلق عز مجده فإن الإنسان إما ممسك أو منفق والإنفاق لا يكون إلا لغرض للعاقل كعوض مالي أو معنوي كثناء جميل أو خدمة واستمتاع كما في النفقة على الأهل أو نحو ذلك وما كان لعوض كان مبادلة لا مباذلة أو هو بالنظر إلى الأغلب وتنزيل غيره منزلة العدم كما قيل : عدنا في زماننا عن حديث المكارم من كفى الناس شره فهو في جود حاتم وهذا الجواب عندي أولى من الأول على ذلك يحمل قوله تعالى وكان الانسان قتورا 001 مبالغا في البخل وجاء القتر بمعنى تقليل النفقة وهو بأزاء الإسراف وكلاهما مذموم ويقال قترت الشيء واقترته وقترته أي قللته وفلان مقتر فقير وأصل ذلك كما قال الراغب من القتار والقتر وهو الدخان الساطع من الشواء والعود ونحوهما فكأن المقتر والمقتر هو الذي يتناول من الشيء قتاره وقيل الخطاب لأهل مكة الذين اقترحوا ما اقترحوا من الينبوع والأنهار وغيرها والمراد من الإنسان كما في القول الأول الجنس ولا شك في أن جنس الإنسان مجبول على البخل لأن مبنى أمره الحاجة وقيل الإنسان وعليه الإمام ووجه ارتباط الآية بما قبلها على تخصيص الخطاب أن أهل مكة طلبوا من الينبوع والأنهار لتكثر أقواتهم وتتسع عليهم فبين سبحانه أنهم لو ملكوا خزائن رحمة الله تعالى لبخلوا وشحوا ولما قدموا على إيصال النفع لأحد والمراد التشنيع عليهم بأنهم في غاية الشح ويقترحون ما يقترحون أو المراد أن صفتهم هذه فلا فائدة في إسعافهم بما طلبوا كذا قال العسكري وغيره فالآية عندهم مرتبطة بقوله تعالى وقالوا لن نؤمن لك حتى تفجر لنا من الأرض ينبوعا ويكفي على العموم اندراج أهل مكة فيه .
وقال أبو حيان : المناسب في وجه الإرتباط أن يقال : إنه E قد منحه الله تعالى ما لم يمنحه لأحد من النبوة والرسالة إلى الإنس والجن فهو أحرص الناس على إيصال الخير إليهم وإنقاذهم من الضلال يثابر على ذلك ويخاطر بنفسه في دعائهم إلى الله تعالى ويعرض ذلك على القبائل وأحياء العرب سمحا بذلك لا يطلب منهم أجرا وهؤلاء أقرباؤه لا يكاد يجيب منهم أحد إلا الواحد بعد الواحد قد لجوا في عناده وبغضائه فلا يصل منهم إليه إلا الأذى فنبه تعالى شأنه بهذه الآية على سمحاته E وبذل