سقيت لتهديد غيره بإذهاب ما أوتوا ليصدهم عن سؤال مالم يؤتوا كعلم الروح وعلم الساعة .
وقال صاحب التحرير : يحتمل أن يقال : أنه لما سئل عن الروح وذي القرنين وأهل الكهف وأبطأ عليه الوحي شق عليه ذلك وبلغ منه الغاية فأنزل الله تعالى هذه الآية تسكينا له والتقدير أيعز عليك تأخر الوحي فإنا إن شئنا ذهبنا بما أوحينا إليك جميعه فسكن ما كان يجهده وطاب قبله انتهى وكلا القولين كما ترى .
قل لئن اجتمعت الانس والجن أي اتفقوا على أن يأتوا بمثل هذا القرآن المنعوت بما لا تدركه العقول من النعوت الجليلة الشأن من البلاغة وحسن النظم وكمال المعنى وتخصيص الثقلين بالذكر لأن المنكر لكونه من عند الله تعالى منهما لا من غيرهما والتحدي إنما كان معهما وإن كان النبي مبعوثا إلى الملك كما هو مبعوث إليهما لا لأن غيرهما قادر على المعارضة فإن الملائكة عليهم السلام على فرض تصديهم لها وحاشاهم إذ هم معصومون لا يفعلون إلا ما يؤمرون عاجزون كغيرهم لا يأتون بمثله أي هذا القرآن وأوثر الإظهار على إيراد الضمير الراجع إلى المثل المذكور واحتراز عن أن يتوهم أن له مثلا معينا وإيذانا بأن المراد نفي الإتيان بمثل ما أي لا يأتون بكلام مماثل له فيما ذكر من الصفات الجميلة الشأن وفيه العرب العرباء أرباب البراعة والبيان وقيل : المراد تعجيز الإنس وذكر الجن مبالغة في تعجيزهم لأنهم إذا عجزوا عن الإتيان بمثله ومعهم الجن القادرون على الأفعال المستغربه فهم عن الإتيان بمثله وحدهم أعجز وليس بذاك وقيل : يجوز أن يراد من الجن ما يشمل الملائكة عليهم السلام وقد جاء إطلاق الجن على الملائكة كما في قوله تعالى : وجعلوا بينهم وبين الجنة نسبا نعم الأكثر استعماله في غير الملائكة عليهم السلام ولا يخفى أنه خلاف الظاهر وزعم بعضهم أن الملائكة عليهم السلام حيث كانوا وسائط في إتيانه لا ينبغي إدراجهم إذ لا يلائمه حينئذ لا يأتون بمثله وفيه أنه ليس المراد نفي الإتيان بمثله من عند الله تعالى في شيء ممن أسند إليهم الفعل وجملة لايأتون جواب القسم الذي ينبيء عنه اللام الموطئة وساد مسد جزاء الشرط ولولاها لكان لا يأتون جزاء الشرط وإن كان مرفوعا بناءا على القول بأن فعل الشرط إذا كا ماضيا يجوزالرفع في الجواب كما في قول زهير : وإن أتاه خليل يوم مسغبة يقول لا غائب مالي ولا حرام لأن أداة الشرط إذا لم تؤثر في الشرط ظاهرا مع قربه جاز أن لا تؤثر في الجواب مع بعده وهذا القول خلاف مذهب سيبويه ومذهب الكوفيين والمبرد كما فصل في موضعه ولا يجوز عن البصريين مع وجود هذه اللام جعل المذكور جواب الشرط خلافا للفراء وأما قول الأعشى : لئن منيت بنا عن غب معركة لأتلفنا عن دماء الخلق تنتفل فاللام ليست الموطئة بل هي زائدة على ما قيل فافهم وحيث كان المراد بالاجتماع على الإتيان بمثل القرآن مطلق الإتفاق على ذلك سواء كان التصدي للمعارضة من كل واحد منهم على الإنفراد أو من المجموع بأن يتألبوا على تلفيق كلام واحد بتلاحق الأفكار وتعاضد الأنظار قال سبحانه : ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا 88 أي معينا في تحقيق ما يتوخونه من الإتيان بمثله والجملة عطف على مقدر أي لا يأتون بمثله لو لم يكن بعضهم