قراءة ابن مسعود والأعمش وما أوتوا فإنه يقتضي الإختصاص بالسائلين والحديث الأخير الذي هو نص فيه قال العراقي : إنه غير صحيح والحديث الأول الله تعالى أعلم بحاله وقال غير واحد : معنى كون الروح من أمره تعالى أنه من الإبداعيات الكائنة بالأمر التكويني من غير تحصل من مادة وتولد من أصل كالجسد الإنساني فالمراد من الأمر واحد الأوامر أعني كن والسؤال عن الحقيقة والجواب إجمالي ومآله أن الروح من عالم الأرض مبدعة من غير مادة لا من عالم الخلق وهو من الأسلوب الحكيم كجواب موسى عليه السلام سؤال فرعون إياه ما رب العالمين إشارة إلى أن كنه حقيقته مما لا يحيط به دائرة إدراك البشر وإنما الذي يعلم هذا المقدار الإجمالي المندرج تحت ما استثنى بقوله تعالى : وما أوتيتم من العلم إلا قليلا أي إلا علما قليلا تستفيدونه من طرق الحواس فإن تعقل المعارف النظرية إنما هو في الأكثر من إحساس الجزئيات ولذلك قيل : من فقد حسا فقد فقد علما ولعل أكثر الأشياء لا يدركه الحس لكونه غير محسوس أو محسوسا منع من إحساسه مانع كالغيبة مثلا وكذا لا يدرك شيئا من عرضياته ليرسمه بها فضلا عن أن ينتقل منها الفكر إلى الذاتيات ليقف على الحقيقة وظاهر كلام بعضهم أن الوقوف على كنه الروح غير ممكن فلا فرق عنده بين الجوابين .
وفرق الخفاجي بأن بيان كنه الروح ممكن بخلاف كنه الذات الأقدس وفي الكشف أن سبيل معرفة الروح إزالة الغشاء عن أبصار القلوب باجتلاء كحل الجواهر من كلام علام الغيوب فهو عند المكتحلين أجلى جلي وعند المشتغلين أخفى خفي ويشكل على هذا ما أخرجه ابن أبي حاتم عن عبد الله بن بريدة قال : لقد قبض النبي وما يعلم الروح ولعل عبد الله هذا يزعم أنها يمتنع العلم بها وإلا فلم يقبض رسول الله حتى علم كل شيء يمكن العلم به كما يدل عليه ما أخرجه الإمام أحمد والترمذي وقال : حديث صحيح وسئل البخاري عنه فقال : حديث حسن صحيح عن معاذ رضي الله تعالى عنه أنه E قال : إني قمت من الليل فصليت ما قدر لي فنعست في صلاتي حتى استثقلت فإذا أنا بربي D في أحسن صورة فقال : يا محمد فيما يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري رب قال : يا محمد فيما يختصم الملأ الأعلى قلت : لا أدري رب قال : يا محمد فيما يختصم الملأ الأعلى قلت لا أدري رب فرأيته وضع كفه بين كتفي حتى وجدت برد أنامله بين صدري وتجلى لي كل شيء وعرفت الحديث و رأيت يعلم في الخبر السابق في بعض الكتب مضبوطا بالبناء للمفعول والروح مضبوطا بالرفع والاشكال على ذلك أوهن إلا أنه خلاف الظاهر .
ويفهم من كلام بعض متأخري الصوفية أنه يمتنع الوقوف على حقيقة الروح بل ذكر هذا البعض أن حقيقة جميع الأشياء لا يوقف عليها وهو مبني على ما لا يخفى عليك ورده أو قبوله مفوض إليك ثم إن لي في هذا الوجه وقفة فإن الظاهر أن إطلاق عالم الأمر على الكائن من غير تحصل من مادة وتولد من أصل وإطلاق عالم الخلق على خلافه محض اصطلاح لا يعرف للعرب ولا يعرفونه وفي الاستدلال عليه بقوله تعالى : ألا له الخلق والأمر ما لايخفى على منصف هذا وذكر الإمام أن السؤال عن الروح يقع على وجوه كثيرة وليس في قوله تعالى : ويسألونك عن الروح ما يدل على وجه منها إلا أن الجواب المذكور لا يليق إلا بوجهين منها الأول كونه سؤالا عن الماهية والثاني كونه سؤالا عن القدم والحدوث وحاصل الجواب على الأول أنها جوهر بسيط مجرد محدث بأمر الله تعالى وتكوينه وتأثيره إفادة الحياة للجسد ولا يلزم من عدم العلم