وأخرج ابن جرير عن مجاهد أنه قال : المقام المحمود أن يجلسه معه على عرشه وأنت تعلم أن الحمد على أكثر ما في هذه الروايات مجاز عند من يقول : إنه مختص بالثناء على الانعام وأما عند من يقول بعدم الإختصاص فلا مجاز وتعقب الواحدي القول بأن المقام المحمود اجلاسه معه D على العرش بعد ذكر روايته عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما بأنه قول رذل موحش فظيع لا يصح مثله عن ابن عباس ونص الكتاب ينادي بفساده من وجوه الأول أن البعث ضد الأجلاس يقال بعث الله تعالى الميت إذا أقامه من قبره وبعثت البارك والقاعد فانبعث فتفسيره به تفسير الضد بالضد الثاني لو كان جالسا سبحانه وتعالى على العرش لكان محدودا متناهيا فيكون محدثا تعالى عن ذلك علوا كبيرا الثالث أنه سبحانه قال مقاما ولم يقل مقعدا والمقام موضع القيام لا القعود الرابع أن الحمقى والجهال يقولون : إن أهل الجنة كلهم يجلسون معه تعالى ويسألهم عن أحوالهم الدنيوية فلا مزية له بإجلاسه معه D أنه إذا قيل : بعث السلطان فلانا يفهم منه أنه أرسله إلى قوم لإصلاح مهماتهم ولا يفهم منه أنه أجلسه مع نفسه انتهى وأبو عمر لم يطلع إلا على رواية ذلك عن مجاهد فقال : إن مجاهدا وإن كان أحد الأئمة بتأويل القرآن حتى قيل : إذا جاءك التأويل عن مجاهد فحسبك إلا أن له قولين مهجورين عند أهل العلم أحدهما تأويل المقام المحمود لهذا الاجلاس والثاني تأويل إلى ربها ناظرة بانتظار الثواب .
وذكر النقاش عن أبي داود السجستاني أنه قال : من أنكر هذا الحديث فهو عندنا متهم فما زال أهل العلم يحدثون به قال ابن عطية : أراد من أنكره على تأويله فهو متهم وقد يؤول قوله يجلسني معه على رفع محله وتشريفه على خلقه كقوله تعالى : إن الذين عند ربك وقوله سبحانه : حكاية ابن لي عندك بيتا وقوله تعالى : وإن الله لمع المحسنين إلى غير ذلك مما هو كناية عن المكانة لا عن المكان .
وأنت تعلم أنه لا ينبغي لمجاهد ولا لغيره أن يفسر المقام المحمود بالإجلاس على العرش حسبما سمعت من غير أن يثبت عنده ذلك الإجلاس في خبر كخبر الديلمي عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال : قال رسول الله في قوله سبحانه : عسى أن يبعثك إلخ يجلسني معه على السرير فإن تمسك المفسر بهذا أو نحوه لم يناظر إلا بالطعن في صحته وبعد إثبات الصحة لا مجال للمؤمن إلا التسليم وما ذكره الواحدي لا يستلزم عدم الصحة فكم وكم من حديث نصوا على صحته ويلزم من ظاهره المحال كحديث ابي سعيد الخدري المشتمل على رؤية المؤمنين الله D ثم أتيانه إياهم في أدنى صورة من التي رأوه فيها وقوله تعالى لهم : أنا ربكم وقولهم نعوذ بالله تعالى منك حتى يكشف لهم عن ساق فيسجدون ثم يرفعون رؤسهم وقد تحول في صورته التي رأوه فيها أول مرة وهو في الصحيحين وحديث لقيط بن عامر المشتمل على قوله تلبثون ما لبثتم ثم يتوفى نبيكم ثم تلبثون ما لبثم ثم تبعث الصائحة لعمر إلهك لا تدع على ظهرها شيئا إلا مات والملائكة الذين مع ربك D فأصبح ربك يطوف في الأرض وخلت عليه البلاد الحديث وقد رواه أئمة السنة في كتبهم وتلقوه بالقبول وقابلوه بالتسليم والانقياد إلى ما لا يحصى من هذا القبيل ومذاهب المحدثين وأهل الفكر من العلماء في الكلام على ذلك مما لا تخفى ومتى أجريت هناك فلتجر هنا فالكل قريب من قريب والصوفية يقولون : إن لله D الظهور فيما يشاء على ما يشاء وهو سبحانه في حال ظهوره باق على إطلاقه حتى عن قيد الإطلاق فإنه العزيز الحكيم ومتى ظهر جل وعلا في