أنه الغبار وقال المبرد : هو كل شيء مدقوق مبالغ في دقه وهي أقوال متقاربة والهمزة للاستفهام الانكاري مفيدة لكمال الاستبعاد والاستنكار للبعث بعد ما آل الحال إلى هذا المآل كأنهم قالوا : إن ذلك لا يكون أصلا .
ومنشؤه أن بين غضاضة الحي وطراوته المتيقضة للاتصال المقتضي للحياة وبين يبوسة الرميم المقتضية للتفرق المقتضي لعدم الحياة تنافيا و إذا هنا كما في الدر المصون متمحضة للظرفية والعامل فيها ما دل عليه قوله تعالى : ءانا لمبعثون لا نفسه لأن إن لها الصدر فلا يعمل ما بعدها فيما قبلها وكذا الاستفهام وإن كان تأكيدا مع كون الاستفهام بالفعل أولى وهو نبعث أو نعاد وهو مصب الإنكار وتقييده بالوقت المذكور لتقوية إنكار البعث بتوجيهه إليه في حالة منافية له وإلا فالظاهر من حالهم أنهم منكرون للأحياء بعد الموت وإن كان البدن على حاله .
وجوز أن تكون شرطية وجوابها مقدر أي نبعث أو نحوه وهو العامل فيها وقيل الشرط والمعنى أنبعث وقد كنا رفاتا في وقت وهو مذهب لبعض النحويين غير مشهور ولا معول عليه وتحلية الجملة بأن واللام لتأكيد الإنكار لا لإنكار التأكيد كما عسى يتوهم من ظاهر النظم وليس مدار إنكارهم كونهم ثابتين في المبعوثية بالفعل في حال كونهم عظاما ورفاتا كما يتراءى من ظاهر الجملة الإسمية بل كونهم بعرضية ذلك واستعدادهم له ومرجعه إلى إنكار البعث بعد تلك الحالة وفيه من الدلالة على غلوهم في الكفر وتماديهم في الضلال ما لا مزيد عليه قاله بعض المحققين خلقا جديدا 94 نصب بمبعوثين على أنه مفعول مطلق له من غير لفظ فعله أو حال على أن الخلق بمعنى المخلوق ووحد الاستواء الواحد وإن أريد منه اسم المفعول أي مخلوقين قل جوابا لهم وتقريبا لما استبعدوه .
كونوا حجارة أو حديدا 05 رد سبحانه قوله كونوا على قولهم كنا فهو من باب المشاكلة والمقابلة بالجنس ومعنى الأمر كما قيل الاستهانة كما في قول موسى عليه السلام ألقوا ما أنتم ملقون وجعله صاحب الإيضاح أمر إهانة والفاضل الطيبي أمر تسخير كما في قوله تعالى كونوا قردة خاسئين لكنه قال : إنه على الفرض وفي الكشف أنه غير ظاهر ولو جعل من باب كن فلانا على معنى أنت فلان من استعمال الطلب في معنى الخبر أي أنتم حجارة ولستم عظاما ومع ذلك تبعثون لا محالة لكان وجها قويما وبحث فيه الشهاب بأنه كيف يقال أنتم حجارة على أنه خبر وهو غير مطابق للواقع فلا بد من قصد الإهانة وعدم المبالاة وجعل الأمر مجازا عن الخبر والخبر خبر فرضي وليس فيه ما يدل على الفرض كان ولو الشرطيتين فهو مما لا يخفى بعده وليس بأقرب مما استبعده فالصواب أنه للإهانة كما جنح إليه صاحب الإيضاح فتدبر والحجارة جمع حجر كأحجار وهو معروف وكذا الحديد وهو مفرد وجمعه حدائد وحديدات .
والظاهر أن المراد كونوا من هذين الجنسين أو خلقا أي مخلوقا آخر مما يكبر في صدوركم أي مما يستبعد عندكم قبوله الحياة لكونه أبعد شيء منها وتعيينه مفوض إليكم فإن الله تعالى لا يعجزه إحياؤكم لتساوي الأجسام في قبول الإعراض فكيف إذا كنتم عظاما بالية وقد كانت موصوفة بالحياة قبل والشيء أقبل لما عهد فيه مما لم يعهد وقال مجاهد : الذي يكبر السموات والأرض والجبال