الاقتصار على أنه للتمهيد حجابا يحجبهم من أن يدركوك على ما أنت عليه من النبوة وجلالة القدر ولذلك اجترؤا على التفوه بالعظيمة وهي قوله : إن تتبعون إلا رجلا مسحورا وأصل الحجاب كالحجب المنع من الوصول فهو مصدر وقد أريد به الوصف أي حاجبا مستورا 54 أي ذا ستر فهو للنسب كرجل مرطوب ومكان مهول وجارية مغنوجة ومنه وعدا مأتيا وكذا سيل مفعم بفتح العين والأكثر مجيء فاعل لذلك كلابن وتامر وجوز أن يكون الإسناد مجازيا كما اشتهر في المثال الأخير وفي الأخفش أن مفعول يرد بمعنى مفعول كماء دافق فمستور بمعنى ساتر أو مستورا عن الحس فهو على ظاهره ويكون بيانا لأنه حجاب معنوي لا حسي أو مستورا في نفسه بحجاب آخر فيكون إيذانا بتعدد الحجب أو مستورا كونه حجابا حيث لا يدرون أنهم لا يدرون وقيل : إنه على الحذف والإيصال أي مستورا به الرسول .
وجعلنا على قلوبهم أكنة أغطية جمع كنان والمراد بمعونة المقام التكثير أي أكنة كثيرة .
أن يفقهوه مفعول له بتقدير مضاف أي كراهة أن يقفوا على كنهه ويعرفوا أنه من عند الله تعالى أو مفعول به لفعل مقدر مفهوم من الجملة أو من أكنة لا أن جعلنا أي شيئا مما ذكر قد ضمنه كما يتوهم أي منعناهم فقهه والوقوف على كنهه وفي آذانهم وقرا صمما وثقلا عظيما مانعا من سماعه اللائق به فإنهم كانوا يسمعونه من غير تدبر وهذه كما قال بعض المحققين تمثيلات معربة عن كمال جهلهم بشؤن النبي صلى الله تعالى عليه وسلم وفرط نبو قلوبهم عن فهم القرآن الكريم ومج أسماعهم له جيء بها بيانا لعدم فقههم فصيح المقال إثر بيان عدم فقههم دلالة الحال وفيه إيذان بأن ما تضمنه القرآن من التسبيح في غاية الظهور بحيث لا يتصور عدم فهمه إلا لمانع قوي يعتري المشاعر فيبطلها وتنبيه على أن حالهم هذه أقبح من حالهم السابقة وحمل الآية على ما ذكر من لم يجعل التسبيح فيما سبق لفظيا وعلى جعله لفظيا لا يحسن حملها على ذلك كما لا يخفى هذا وقال بعضهم : المراد بالحجاب ما يحجبه عن فهم ما يقرؤه E فقد أخرج ابن جرير وابن أبي حاتم عن قتادة أنه قال : الحجاب المستور أكنة على قلوبهم أن يفقهوه وأن ينتفعوا به وإلى ذلك ذهب الزجاج وتعقب بأنه لا يلائم بينك وبين الذين إلخ إلا بتقدير مضافين أي جعلنا بين فهم قراءتك وأيضا يلزم عليه التكرار من غير فائدة جديدة وأجيب بأن الظاهر أنه لا يقدر فيه وإنما يلزم لو كان حقيقة وهذا تمثيل لهم في عدم إسماع الحق بمن كان وراء جدار وحجاب كما أن الأكنة كذلك وأما حديث التكرار من غير فائدة فمدفوع بأن قوله تعالى : وجعلنا الخ تصريح بمقتضاه نفي فصيح المقال بعد نفي فهم دلالة الحال من كونهم مطبوعين على الضلال ولا يخفى على المنصف أولوية ما تقدم .
وعن الجبائي أن المراد بالحجاب ما يحجبهم عن إيذاء الرسول وذلك أنهم كانوا يقصدونه إذا قرأ ليؤذوه فآمنه الله تعالى وذكر له E أنه جل شأنه جعل بينه وبينهم حجابا عند القراءة فلا يمكنهم الوصول إليه وهو عندي مما لا بأس به وإن ذكره في معرض التفصي عن استدلال أصحابنا بالآية على أن الله تعالى يمنع عن الإيمان من شاء كما يهدي إليه من شاء نعم هو دون الأول عند من يتأمل