ولم يرتض ذلك الإمام لأن هذا التسبيح لا يحصل إلا مع العلم وهو مما يتصور في الجماد لفقد شرطه العقلي وهو الحياة ولو لم يكن ذلك شرطا عقليا لا نسد باب العلم لكونه سبحانه وتعالى حيا وأيضا التذييل السابق يأبى ذلك لدلالته على أن عدم فقه التسبيح المذكور جرم ولا شك أن عدم فقه تسبيح الجمادات بألفاظها ليس بجرم وإنما الجرم عدم فقه دلالتها للغفلة وقصور النظر ومن تتبع الأحاديث والآثار رأي فيها ما يشهد بما ذهب إليه هذا البعض شهادة لا تكاد تقبل التأويل فقد صح سماع تسبيح الحصا في كفه .
وأخرج أبو الشيخ عن أنس قال : أتى رسول الله بطعام ثريد فقال : إن هذا الطعام يسبح فقالوا : يا رسول الله وتفقه تسبيحه قال : نعم ثم قال لرجل أدن هذه القصعة من هذا الرجل فأدناها فقال : نعم يا رسول الله هذا طعام يسبح فقال : أدنه من آخر فأدناها منه فقال : يا رسول الله هذا الطعام يسبح ثم قال : ردها فقال رجل : يا رسول الله لو أمرت على القوم جميعا فقال : لا أنها لو سكتت عند رجل لقالوا : من ذنب ردها فردها .
وأخرج ابن مردوية عن ابن مسعود قال : كنا أصحاب محمد نعد الآيات بركة وأنتم تعدونها تخويفا بينما نحن مع رسول الله ليس معنا ماء فقال : لنا أطلب من معه فظل ماء فأتي بماء فوضعه في إناء ثم وضع يده فيه فجعل الماء يخرج من بين أصابعه ثم قال : حي على الطهور المبارك والبركة من الله تعالى فشربنا منه قال عبد الله : كنا نسمع صوت الماء وتسبيحه وهو يشرب .
وأخرج أحمد وابن مردوية عن ابن عمر أن النبي قال : إنا نوحا عليه السلام لما حضرته الوفاة قال لابنيه : آمركما بسبحان الله وبحمده فإنها صلاة كل شيء وبها يرزق كل شيء وأخرج أحمد عن معاذ بن أنس عن رسول الله أنه مر على قوم وهم وقوفا على دواب لهم ورواحل فقال لهم : اركبوها سالمة ودعوها سالمة ولا تتخذوها كراسي لأحاديثكم في الطرق والأسواق فرب مركوبة خير من راكبها وأكثر ذكر الله تعالى منه وأخرج النسائي وأبو الشيخ وابن مردويه عن ابن عمر قال : نهى النبي عن قتل الضفدع وقال نقيقها تسبيح .
واخرج ابن أبي الدنيا وابن أبي حاتم والبيهقي في الشعب عن أنس بن مالك قال : ظن داود عليه السلام في نفسه أن أحدا لم يمدح خالقه بما مدحه وإن ملكا نزل وهو قاعد في المحراب والبركة إلى جانبه فقال يا داود إفهم إلى ما تصوت به الضفدع فأنصت داود فإذا الضفدع تمدحه بحمده لم يمدحه بها فقال له الملك : كيف ترى يا داود أفهمت ما قالت قال : نعم قال : ماذا قالت قال : قالت سبحانك الله وبحمدك منتهى علمك يا رب قال داود : لا والذي جعلني نبيه إن لم أمدحه بهذا .
وأخرج أحمد في الزهد وأبو الشيخ عن شهر بن حوسب من حديث طويل أن داود علي السلام أتى البحر في الساعة فنادته ضفدعة يا داود إنك حدثت نفسك إنك قد سبحت في ساعة ليس يذكر الله تعالى فيها غيرك وإني في سبعين ألف ضفدع كلها قائمة على رجل نسبح الله تعالى ونقدسه .
وأخرج الخطيب عن أبي ضمرة قال : كنا عند علي بن الحسين رضي الله تعالى عنهما فمر بنا عصافير يصحن فقال : أتدرون ما تقول هذه العصافير قلنا : لا قال : أما أنا ما أقول إنا نعلم الغيب ولكن سمعت أبي يقول سمعت أمير المؤمنين علي بن أبي طالب كرم الله تعالى وجهه يقول سمعت رسول الله يقول : إن الطير إذا أصبحت سبحت ربها وسألته قوت يومها وإن هذه تسبح ربها وتسأله قوت يومها