كزبيبة وتمرة فيجوز أن يجعلا من الكبائر فطالما عن جنس هذه المفسدة كالقطرة من الخمر وإن لم تتحقق المفسدة ويجوز أن يضبط ذلك بنصاب السرقة ا ه وقد يفرق بينهما بأن في شهادة الزور مع الجراءة على انتهاك حرمة المال المعصوم جراءة على الكذب في الشهادة بخلاف القليل من مال اليتيم فلا يستبعد التقييد به بخلافها كذا قيل .
والحق إن الآيات والأخبار الواردة في وعيد أكل مال اليتيم مطلقة فتتناول القليل والكثير فلا يجوز تخصيصها إلا بدليل سمعي وحيث لا دليل كذلك فالتخصيص غير مقبول فالوجه أنه لا فرق بين أكل القليل وأكل الكثير في كونه كبيرة يستحق فاعله الوعيد الشديد نعم الشيء التافه الذي تقتضي العادة بالمسامحة به لا يبعد كون أكله ليس من الكبائر والله تعالى أعلم وقد توصل القضاة اليوم إلى أكل مال اليتيم في صورة حفظه عاملهم الله تعالى بعدله وأذاق خائنهم في الدارين جزاء فعله وأوفوا بالعهد ما عاهدتم الله تعالى عليه من التزام تكاليفه وما عاهدتم عليه غيركم من العباد ويدخل في ذلك العقود .
وجوز أن يكون المراد ما عاهدكم الله تعالى عليه وكلفكم به والايفاء بالعهد والوفاء به هو القيام بمقتضاه والمحافظة عليه وعدم نقضه واشتقاق ضده وهو الغدر يدل على ذلك وهو الترك ولا يكاد يستعمل إلا بالباء فرقا بينه وبين الايفاء الحسي كإيفاء الكيل والوزن إن العهد أظهر في مقام الإضمار إظهارا لكمال العناية بشأنه وقيل دفعا لتوهم عود الضمير إلى الايفاء المفهوم من أوفوا كان مسئولا 43 أي مسؤلا عنه على حذف الجار وجعل الضمير بعد انقلابه مرفوعا مستكنا في اسم المفعول ويسمى الحذف والايصال وهو شائع .
وجوز أن يكون الكلام على حذف مضاف أي إن صاحب العهد كان مسؤلا وقيل لا حذف أصلا والكلام على التخييل كأنه يقال للعهد لم نكثت وهلا وفى بك تبكيتا للناكث كما يقال للموؤدة بأي ذنب قتلت وقد يعتبر فيه الاستعارة المكنية والتخييلية وزعم بعضهم أنه يجوز أن يجعل العهد متمثلا على هيئة من يتوجه عليه السؤال كما تجسم الحسنات والسيآت لتوزن .
وجوز أن يكون مسؤلا بمعنى مطلوبا من سألت كذا إذا طلبت وإسناد المطلوبية إليه مجازا والمراد مطلوب عدم إضاعته ويجوز أن يكون في الكلام مضاف محذوف ارتفع الضمير واستتر بعد حذفه والأصل ما أشرنا إليه وقد سمعت آنفا أن مثل ذلك شائع وليس في ذلك تعليل الشيء بنفسه فإن المآل إلى أن يقال : أوفوا بالعهد فإن عدم إضاعته لم تزل مطلوبة من كل أحد فتطلب منكم أيضا ثم إن الإخلال بالوفاء بالعهد على ما تقتضيه الأحاديث الصحيحة قيل كبيرة وقد جاء عن علي كرم الله وجهه أنه عد من الكبائر نكث الصفقة أي الغدر بالمعاهد بل صرح شيخ الإسلام العلائي بأنه جاء في الحديث عن النبي أنه سماه كبيرة وقال بعض المحققين : إن في إطلاق كون الإخلال المذكور كبيرة نظرا بناء على أن العهد هو التكليفات الشرعية فإن من الإخلال ما يكون كبيرة ومنه ما يكون صغيرة وينظر في ذلك إلى حال المكلف به ولعل من قال : إن الإخلال بالعهد كبيرة أراد بالعهد مبايعة الإمام وبالإخلال بذلك نقض بيعته والخروج عليه لغير موجب ولا تأويل ولا شبهة في أن ذلك كبيرة فليتأمل وأوفوا الكيل أتموه ولا تخسروه إذا كلتم أي وقت كيلكم للمشترين وتقييد الأمر به لما أن التطفيف يكون هناك وأما وقت الاكتيال على الناس فلا حاجة إلى الأمر بالتعديل قال تعالى :