على ذلك إن شئت أو دع وروى أصحاب السنن الأربعة وابن حبان في صحيحه وقال الترمذي حديث حسن صحيح عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما قال كان تحتي امرأة أحبها وكان عمر يكرهها فقال لي طلقها فأبيت فأتى عمر رسول الله فذكر ذلك فقال رسول الله : طلقها وكذا سائر أوامره التي لا حامل لها إلا ضعف عقله وسفاهة رأيه ولو عرضت على أرباب العقول لعدوها متساهلا فيها ولرأوا أنه لا إيذاء بمخالفتها ثم قال : هذا هو الذي يتجه في تقرير الحد وتعقب ما نقل عن البلقيني بأن تخصيصه العقوق بفعل المحرم الصغيرة بالنسبة للغير فيه وقفة بل ينبغي أن المدأر على ما ذكر من أنه لو فعل معه ما يتأذى به تأذيا ليس بالهين عرفا كان كبيرة وإن لم يكن محرما لو فعله مع الغير كأن يلقاه فيقطب في وجهه أو يقدم عليه في ملأ فلا يقوم إليه ولا يعبأ به ونحو ذلك مما يقضي أهل العقل والمروءة من أهل العرف بأنه مؤذ إيذاء عظيما فتأمل .
ثم إن السبب في تعظيم أمر الوالدين أنهما السبب الظاهري في إيجاده وتعيشه ولا يكاد تكون نعمة أحد من الخلق على الولد كنعمة الوالدين عليه لا يقال عليه : إن الوالدين إنما طلبا تحصيل اللذة لأنفسهما فلزم منه دخول الولد في الوجود ودخوله في عالم الآفات والمخافات فأي إنعام لهما عليه وقد حكى أن واحدا من المتسمين بالحكمة كان يضرب أباه ويقول : هو الذي أدخلني في عالم الكون والفساد وعرضني للموت والفقر والعمى والزمانة وقي لأبي العلاء المعري ولم يكن ذا ولد : ما نكتب على قبرك فقال : اكتبوا عيه .
هذا جناه أبي علي وما جنيت على أحد وقال في ترك التزوج وعدم الولد : وتركت فيهم نعمة العدم التي سبقت وصدت عن نعيم العاجل ولو أنهم ولدوا لنالوا شدة ترمي بهم في موبقات الآجل وقال ابن رشيق : قبح الله لذة لشقانا نالها الأمهات والآباء نحن لولا الوجود لم نألم الفق د فإيجادنا عليه بلاء وقيل للإسكندر : أستاذك أعظم منه عليك أم والدك فقال : الأستاذ أعظم منه لأنه تحمل أنواع الشدائد والمحن عن تعليمي حتى أوقفني على نور العلم وأما الوالد فإنه طلب تحصيل لذة الوقاع لنفسه فأخرجني إلى عالم الكون والفساد لأنا نقول : هب أنه في أول الأمر كان المطلوب لذة الوقاع إلا أن الاهتمام لإيصال الخيرات ودفع الآفات من أول دخول الولد على الوجود إلى وقت بلوغه الكبر أعظم من جميع ما يتخيل من جهات الخيرات والمبرات وقد يقال : لو كان الادخال في عالم الكون والفساد والتعريض للإكدار والإنكار دافعا لحق الوالدين لزم أن يكون دافعا لحق الله تعالى لأنه سبحانه الفاعل الحقيقي وأيضا يعارض ذلك التعريض التعريض للنعيم المقيم والثواب العظيم كما لا يخفى على ذي العقل السليم ولعمري أن إنكار حقهما إنكار لأجل الأمور ومن لم يجعل الله له نورا فما له من نور ربكم أعلم بما في نفوسكم من قصد البر وانعقاد ما يجب من التوقير لهما وهو على ما قيل تهديد على أن يضمر لهما كراهة واستثقالا وفي الكشف أنه كالتعليل لما أكد عليهم من الإحسان إلى الوالدين بأن الله تعالى أعلم بما في ضمائرهم من ذلك فمجازيهم على حسبه والظاهر أنه