الحسنات وجد في آخرها هذه حسناتك قد رددناها عليك وذلك قوله تعالى وقدمنا إلى ما عملوا من عمل فجعلناه هباء منثورا فيسود وجهه ويعظم كربه ثم يقرأ سيآته فيزداد بلاء على بلاء وينقلب بمزيد خيبة وشقاء ويقول يا ليتني لم أوت كتابيه ولم أدر ما حسابيه جعلنا الله تعالى ممن يقرأ فيرقى لا ممن يقرأ فيشقى بمنه وكرمه هذا وفسر بعضهم الكتاب بالنفس المتنفسة بآثار الأعمال ونشره وقراءته بظهور ذلك له ولغيره وبيانه أن ما يصدر عن الإنسان خيرا أو شرا يحصل منه في الروح أثر مخصوص وهو خفي ما دامت متعلقة بالبدن مشتغلة بواردات الحواس والقوى فإذا انقطعت علاقتها قامت قيامته لانكشاف الغطاء باتصالها بالعالم العلوي فيظهر في لوح النفس نقش أثر كل ما عمله في عمره وهو معنى الكتابة والقراءة ولا يخفى أن هذا منزع صوفي حكمي بعيد من الظهور قريب من البطون وفيه حمل القيامة على القيامة الصغرى وهو خلاف الظاهر أيضا والروايات ناطقة بما يفهم من ظاهر الآية نعم ليس فيها نفي انتقاش النفس بآثار الأعمال وظهور ذلك يوم القيامة فلا ما نع من القول بالأمرين ومن هنا قال الإمام : إن الحق أن الأحوال الظاهرة التي وردت فيها الروايات حق وصدق لا مرية فيها واحتمال الآية لهذه المعاني الروحانية ظاهر أيضا والمنهج القويم والصراط المستقيم هو الإقرار بالكل ونعم ما قال غير أن كون ذلك الاحتمال ظاهرا غير ظاهر وقال الخفاجي : ليس في هذا ما يخالف النقل وقد حمل عليه ما روي عن قتادة من أنه يقرأ في ذلك اليوم من لم يكن قارئا ولا وجه لعده مؤيدا له وأنت تعلم أن حمل كلام قتادة على ذلك تأويل أيضا ولعل قتادة وأمثاله من سلف الأمة لا يخطر لهم أمثال هذه التأويلات ببال والكلام العربي كالجمل الأنوف والله تعالى أعلم بحقائق الأمور وفي كيفية النظم ثلاثة أوجه ذكرها الإمام .
مالأول أنه تعالى لما قال وكل شيء فصلناه تفصيلا تضمن أن كل ما يحتاج إليه من دلائل التوحيد والنبوة والمعاد قد صار مذكورا وإذا كان كذلك فقد أزيحت الأعذار وأزيلت العلل فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة فقد ألزمناه طائره في عنقه الثاني أنه تعالى لما بين أنه سبحانه أوصل إلى الخلق أصناف الأشياء النافعة لهم في الدين والدنيا مثل آيتي الليل والنهار وغيرهما فكأنه كان منعما عليهم بوجوه النعم وذلك يقتضي وجوب اشتغالهم بخدمته تعالى وطاعته فلا جرم كل من ورد عرصة القيامة يكون مسئولا عن أقواله وأعماله والثالث أنه تعالى بين أنه ما خلق الخلق إلا لعبادته كما قال وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون فلما شرح أحوال الشمس والقمر والنهار والليل كان إنما خلقت هذه الأشياء لتنتفعوا بها فتصيروا متمكنين من الاشتغال بطاعتي وإذا كان كذلك فكل من ورد عرصة القيامة سألته هل أتى بتلك الطاعة أو تمرد وعصى ا ه وقد يقال وجه الربط أن فيما تقدم شرح حال كتاب الله تعالى المتضمن بيان النافع والضار من الأعمال وفي هذا شرح حال كتاب العبد الذي لا يغادر صغيرة ولا كبيرة من تلك الأعمال إلا أحصاها وحسنه وقبحه تابع للأخذ بما في الكتاب الأول وعدمه فمن أخذ به فقد هدي ومن أعرض عنه فقد غوى وقوله تعالى : من اهتدى فإنما يهتدي لنفسه فذلكة لما تقدم من كون القرءان هاديا للتي هي أقوم وللزوم الأعمال لأصحابها أي من اهتدى بهدايته وعمل بما في تضاعيفه من الأحكام وانتهى عما نهاه عنه فإنما تعود منفعة الاهتداء به إلى نفسه لا تتخطاه إلى غيره ممن لم يهتد ومن ضل عما يهتديه إليه فإنما يضل عليها أي فإنما وبال ضلاله