وأخرج عبد بن حميد وغيره عن عكرمة أنه قال : خلق الله تعالى نور الشمس سبعين جزءا ونور القمر سبعين جزءا فمحى من نور القمر تسعة وستين جزءا فجعله مع نور الشمس فالشمس على مائة وتسعة وثلاثين جزءا والقمر على جزء واحد وأخرج ابن أبي حاتم عن محمد بن كعب القرظي أنه قال : كانت الشمس بالليل وشمس بالنهار فمحى الله تعالى شمس الليل فهو المحو الذي في القمر وأخرج البيهقي في دلائل النبوة وابن عساكر عن سعيد المقبري أن عبد الله بن سلام سأل النبي عن السواد الذي في القمر فقال : كانا شمسين وقال قال الله تعالى وجعلنا الليل والنهار آيتين فمحونا آية الليل فالسواد الذي رأيت هو المحور وفي حديث طويل أخرجه ابن أبي حاتم وابن مردويه بسند واه عن ابن عباس مرفوعا أن الله تعالى خلق شمسين من نور عرشه فأرسل جبريل عليه السلام فأمر جناحه على وجه القمر وهو يومئذ شمس ثلاث مرات فطمس عنه الضوء وبقي فيه النور وذلك قوله تعالى : وجعلنا الليل والنهار آيتين الآية إلى غير ذلك من الآثار والفاء على هذا للتعقيب وجعل آية النهار وهي الشمس مبصرة على نحو ما تقدم فتبصر وقيل محو القمر إما خلقه كمدا مطموس النور غير مشرق بالذات على ما ذكره أهل الهيئة من أنه غير مضيء في نفسه بل نوره مستفاد من ضوء الشمس فالفاء تفسيرية كما مر وإما نقص ما استفاد من الشمس شيئا فشيئا بحسب الرؤية والإحساس إلى أن ينمحق على ما هو معنى المحو فالفاء للتعقيب وذكر الإمام في محوه قولين أحدهما نقص نوره قليلا قليلا إلى المحلق وثانيهما جعله ذا كلف ثم قال : حمله على الوجه الأول أولى لأن اللام في الفعلين بعد متعلق بما هو المذكور قبل وهو محو آية الليل وجعل آية النهار مبصرة ومحو آية الليل إنما يؤثر في ابتغاء فضل الله تعالى إذا حملنا محو القمر على زيادة نور القمر ونقصانه لأن سبب حصول هذه الآية مختلف باختلاف أحوال نور القمر وأهل التجارب أثبتوا أن اختلاف أحوال القمر في مقادير النور له أثر عظيم في أحوال هذا العالم ومصالحه مثل أحوال البحار في المد والجزر ومثل أحوال البحرانات على ما يذكره الأطباء في كتبهم وأيضا بسبب زيادة نور القمر ونقصانه أنه يحصل الشهور وبسبب معاودة الشهور يحصل السنون العربية المبنية على رؤية الهلال كما قال سبحانه ولتعلموا الخ أ ه .
وأنت تعلم أنه متى دل أثر صحيح عن رسول الله على ما ذكرناه أولا لا ينبغي أن يدعى أن غيره أولى وهو لعمري وجه لا كلف فيه عند من له عين مبصرة و الفلاسفة في هذا المحو المرئي في وجه القمر كلام طويل لا بأس بأن تحيط به خيرا فنقول : ذكر الإمام في المباحث المشرقية أن امتناع بعض المواضع في وجه القمر عن قبول الضوء التام إما أن يكون بسبب خارج عن جرم القمر أو غير خارج عنه فإن كان بسبب خارج فإما أن يكون لمثل ما يعرض للمرايا من وقوع أشباح الأشياء فيها فإذا رؤيت تلك الأشياء لم تر براقة فكذلك القمر لما تصورت فيه أشباح الجبال والبحار وجب أن لا ترى تلك المواضع في غاية الاستنارة وإما أن يكون ذلك بسبب ساتر والأول باطل أما أولا فلأن الأشباح لا تتحفظ هيآتها مع حركة المرآة وبتقدير سكونها لا تستقر تلك الأشباح فيها عند اختلاف مقامات الناظرين والآثار التي في وجه القمر ليست كذلك وأما ثانيا فلأن القمر ينعكس الضوء عنه إلى البصر وما كان كذلك لم يصلح للتخييل وأما ثالثا فلأنه كان يجب أن تكون تلك الآثار كالكرات لأن الجبال في الأرض كتضريس أو خشونة في سطح كرة وليس لها من المقدار قدر ما يؤثر في كرية الأرض فكيف لأشباحها المرئية في المرآة