على ذلك مما لم تعرض له والحمل عليه في غاية البعد فلا ينبغي أن يحمل عليه وإن تضمن معنى لطيفا يدرك بالتأمل وكان الظاهر أن يقال لكم بدل للكافرين إلا أنه عدل عنه تسجيلا على كفرهم بالعود وذما لهم بذلك وإشعارا بعلة الحكم إن هذا القرآن الذي آتيناكه وهذا متعلق بصدر السورة كما مرت الإشارة إليه وفي الإشارة بهذا تعظيم لما جاء به النبي المجتبى يهدي أي الناس كافة لا فرقة مخصوصة منهم كدأب الكتاب الذي آتيناه موسى عليه السلام للتي أي للطريقة التي هي أقوم أي أقوم الطرق وأسدها أعني ملة الإسلام والتوحيد فللتي صفة لموصوف حذف اختصارا وقدره بعضهم الحالة أو الملة وأيما قدرت لم تجد مع الإثبات ذوق البلاغة الذي تجده مع الحذف لما في الإبهام من الدلالة على أنه جرى الوادي وطم على القرى و أقوم أفعل تفضيل على ما أشار إليه غير واحد .
وقال أبو حيان : الذي يظهر من حيث المعنى أنه لا يراد به التفضيل إذ لا مشاركة بين الطريقة التي يهدي لها القرآن وغيرها من الطرق في مبدأ الاشتقاق لتفضل عليه فالمعنى للتي هي قيمة أي مستقيمة كما قال الله تعالى فيها كتب قيمة وذلك دين القيمة ا ه وإلى ذلك ذهب الإمام الرازي ويبشر المؤمنين بما في تضاعيفه من الأحكام والشرائع .
وقرأ عبد الله وطلحة وابن وثاب والإخوان ويبشر بالتخفيف مضارع بشر المخفف وجاء بشرته وبشرته وأبشرته الذين يعملون الأعمال الصالحات التي شرحت فيه أن لهم أي بأن لهم مقابلة أعمالهم أجرا كبيرا 9 بحسب الذات وبحسب التضعيف عشرا فصاعدا وفسر ابن جريج الأجر الكبير وكذا الرزق الكريم في كل القرآن بالجنة وأن الذين لا يؤمنون بالآخرة وأحكامها المشروحة فيه من البعث والحساب والجزاء من الثواب والعقاب الروحانيين والجسمانيين وتخصيص الآخرة بالذكر من بين سائر ما لم يؤمن به الكفرة لكونها معظم ما أمروا الإيمان به ولمراعاة التناسب بين أعمالهم وجزائها الذي أنبأ عنه قوله تعالى أعتدنا لهم عذابا أليما 01 وهو عذاب جهنم أي أعددنا وهيأنا لهم فيما كفروا به وأنكروا وجوده من الآخرة عذابا مؤلما وهو أبلغ من الزجر لما أن إيتان العذاب من حيث لا يحتسب أفظع وأفجع ولعل أهل الكتاب داخلون في هذا الحكم لأنهم لا يقولون بالجزاء الجسماني ويعتقدون في الآخرة أشياء لا أصل لها فلم يؤمنوا بالآخرة وأحكامها المشروحة في هذا القرآن حقيقة الإيمان فافهم .
والعطف على أن لهم أجرا كبيرا فيكون إعداد العذاب الأليم للذين لا يؤمنون بالآخرة مبشرا به كثبوت الأجر الكبير للمؤمنين الذين يعملون الصالحات ومصيبة العدو سرور يبشر به فكأنه قيل يبشر المؤمنين بثوابهم وعقاب أعدائهم ويجوز أن تكون البشارة مجازا مرسلا بمعنى مطلق الأخبار الشامل للأخبار بما فيه سرور وللاخبار بما ليس كذلك وليس فيه الجمع بين معنى المشترك أو الحقيقة والمجاز حتى يقال : إنه من عموم المجاز وإن كان راجعا لهذا أو العطف على يبشر أو يهدي بإضمار يخبر فيكون من عطف الجملة على الجملة ولا يخفى ما في الآية من ترجيح الوعد على الوعيد