وإنه لفي زبر الأولين وما فيه من المعارف الألهية وبيان المبدأ والمعاد والأخبار بالغيب فأعجازه ليس براجع إلى القرآن من حيث هو قرآن بل لكونه حاصلا من غير سبق تعليم وتعلم ولكون الأخبار بالغيب إخبارا بما لا يعتاد سواء كان بهذا النظم أو بغيره موردا بالعربية أو بلغة أخرى بعبارة أو إشارة فإذا هو متعلق بالنظم المخصوص الذي هو صورة القرآن وبإختلاف الصور يختلف حكم الشيء وأسمه لا بعنصره كالخاتم والقرط والسوار إذا كان الكل من ذهب مثلا فإن الأسم مختلف والعنصر واحد وكالخاتم المتخذ من ذهب وفضة وحديد يسمى خاتما والعنصر مختلف فظهر أن الأعجاز المختص بالقرآن متعلق بنظمه المخصوص وإعجاز نظمه قد سلف بيانه وأنت تعلم ما فيه وإن كان قريبا إلى الحق وأبعد الأقوال عندي كونه بالصرفة المحضة حتى أن قول المرتضى فيها غير مرتضى كما لا يخفى على من أنصفه ذهنه وأتسع عطنه وأبعد من ذلك كونه بالقدم كما هو قريب ممن هو حديث عهد بما تقدم وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة لهذا الكلام من بيان إختلاف الناس أيضا في تفاوت مراتب الفصاحة والبلاغة في آياته ويتضح لك ما هو الحق الحقيقي بالقبول والله تعالى المبتغي والمسئول ولنقتصر من الفوائد على هذا المقدار وفي السبعة ما لا يحصى من الأسرار وهذا أوان تقبيل شفاه الأقلام حروف سبحان كلام الله تعالى العلام .
سورة الفاتحة .
أختلف فيها فالأكثرون على أنها مكية بل من أوائل ما نزل الحمد لله من القرآن على قول وهو المروى عن علي وإبن عباس وقتادة وأكثر الصحابة وعن مجاهد أنها مدنية وقد تفرد بذلك حتى عد هفوة منه وقيل نزلت بمكة حين فرضت الصلاة وبالمدينة لما حولت القبلة ليعلم أنها في الصلاة كما كانت وقيل بعضها مكي وبعضها مدني ولا يخفى ضعفه وقد لهج الناس بالإستدلال على مكيتها بآية الحجر ولقد آتيناك سبعا من المثاني والقرآن العظيم وهي مكية لنص العلماء والرواية عن ابن عباس ولها حكم مرفوع لا لأن ما قبلها وما بعدها في حق أهل مكة كما قيل لأنه مبني على أن المكي ما كان في حق أهل مكة والمشهور خلافه والأقوى الإستدلال بالنقل عن الصحابة الذين شاهدوا الوحي التنزيل لأن ذلك موقوف أولا على تفسير السبع المثاني بالفاتحة وهو وإن كان صحيحا ثابتا في الأحاديث إلا أنه قد صح أيضا عن إبن عباس وغيره تفسيرها بالسبع الطوال وثانيا على إمتناع الإمتنان بالشيء قبل إيتائه مع أن الله تعالى قد أمتن عليه صلى الله تعالى عليه وسلم بأمور قبل إيتائه إياها كقوله تعالى إنا فتحنا لك فتحا مبينا فهو قبل الفتح بسنين والتعبير بالماضي تحقيق للوقوع وهذا وإن كان خلاف الظاهر لا سيما مع إيراد اللام وكلمة قد ووروده في معرض المنة والغالب فيها سبق الوقوع وعطف ولا تمدن عينيك إلى ما متعنا به الآية إلا أنه قد خدش الدليل لا يقال إن هذا وذلك لا يدلان إلا على أنها نزلت بمكة وأما على نفي نزولها بالمدينة