لأقوال ذلك العبد البصير بأفعاله بكونها مهذبة خالصة عن شوائب الهوى مقرونة بالصدق والصفا مستأهلة للقرب والزلفى وأما على تقدير كون الضمير للنبي كما نقله أبو البقاء عن بعضهم وقال : أي السميع لكلامنا البصير لذاتنا وقال الجلبي : إنه لا يبعد والمعنى عليه إن عبدي الذي شرفته بهذا التشريف هو المستأهل له فإنه السميع لأوامري ونواهي العامل بهما البصير الذي ينظر بنظرة العبرة في مخلوقاتي فيعتبر أو البصير بالآيات التي أريناه إياها كقوله تعالى ما زاغ البصر وما طغى فقيل لمطابقة الضمائر العائدة عليه وكذا لما عبر به عنه من قوله سبحانه عبده وقيل : للإشارة إلى اختصاصه بالمنح والزلفى وغيبوبة شهوده في عين بي يسمع وبي يبصر ولا سمتنع إطلاق السميع والبصير على غيره تعالى كما توهم لا مطلقا ولا هنا قال الطيبي : ولعل السر في مجيء الضمير محتملا للأمرين الإشارة إلى أنه إنما رأى رب العزة وسمع كلامه به سبحانه كما في الحديث المشار إليه آنفا فافهم تسمع وتبصر وتوسيط ضمير الفصل إما لأن سماعه تعالى بلا أذن وبصره بلا عين على نحو لا يشاركه فيه تعالى أحد وإما للإشعار باختصاصه بتلك الكرامة .
وزعم ابن عطية أن قوله تعالى إنه هو السميع البصير وعيد للكفار على تكذيبهم النبي في أمر الإسراء أي إنه هو السميع لما تقولون أيها المكذبون البصير بما تفعلون فيعاقبكم على ذلك .
وقرأ الحسن ليريه بياء الغيبة ففي الآية حينئذ أربع التفاتات وءاتينا موسى الكتاب أي التوراة وجعلناه أي الكتاب وهو الظاهر أو موسى عليه السلام هدى عظيما لبني إسرائيل متعلق بهدى أو بجعل واللام تعليلية والواو استئنافية أو عاطفة على جملة سبحان الذي أسرى لا على أسرى كما نقله في البحر عن العكبري وحكى نظيره عن ابن عطية لبعده وتكلفه وعقب آية الإسراء بهذه استطرادا تمهيدا لذكر القرآن والجامع أن موسى عليه السلام أعطى التوراة بمسيره إلى الطور وهو بمنزلة معراجه لأنه منح ثمت التكليم وشرف باسم الكليم وطلب الرؤية مدمجا فيه تفاوت ما بين الكتابين ومن أنزلا عليه وإن شئت فوازن بين أسرى بعبده وآتينا موسى وبين هدى لبني إسرائيل ويهدي للتي هي أقوم ألا تتخذوا أي أي لا تتخذوا على أن أن تفسيرية ولا ناهية والتفسير كما قال أبو البقاء لما تضمنه الكتاب من الأمر والنهي وقيل لمحذوف أي آتينا موسى كتابة شيء هو لا تتخذوا والكتاب وإن كان المراد به التوراة فهو مصدر في الأصل ولا يخفى أنه خلاف الظاهر .
وجوز في البحر أن تكون أن مصدرية والجار قبلها محذوف ولا نافية أي لئلا تتخذوا وقيل يجوز أن تكون أن وما بعدها في موضع البدل من الكتاب وجوز أبو البقاء أن تكون زائدة و لا تتخذوا معمول لقول محذوف ولا فيه للنهي أي قلنا لا تتخذوا وتعقبه أبو حيان بأن هذا الموضع ليس من مواضع زيادة أن .
وكذا جوز أن تكون لا زائدة كما في قوله تعالى : ما منعك أن لا تسجد والتقدير كراهه أن تتخذوا ولا يخفى ما فيه .
وقرأ ابن عباس ومجاهد وعيسى وأبو رجاء وأبو عمرو من السبعة أن لا تتخذوا بياء الغيبة وجعل غير واحد أن على ذلك مصدرية ولم يذكروا فيها احتمال كونها مفسرة وقال الشيخ زاده : لا وجه لأن تكون أن مفسرة على القراءة بياء الغيبة لأن ما في حيز المفسرة مقول من حيث المعنى والذي يلقى إليه القول لابد أن يكون مخاطبا كما لا وجه لكونها مصدرية على قراءة الخطاب لأن بني إسرائيل غيب فتأمل والجار