ومباغتته كما صرح به في الآية الأخرى حيث أبت الإتيان بغته والبهت الذي هو الأثقال وزيادة ورتب عليه فلا يستطيعون ردها ولا هم ينظرون ومثل هذه الفاء فصيحة عنده فافهم وفي التفسير الكبير قال المتكلمون إن العذاب يجب أن يكون خالصا عن شوائب النفع وهو المراد بقوله تعالى : لا يخفف عنهم ويجب أن يكون دائميا وهو المراد من قوله سبحانه : ولا هم ينظرون وفيه نظر .
وإذا رأى الذين أشركوا شركاءهم الذين كانوا يزعمونهم شركاء لله سبحانه وتعالى ويعبدونهم معه D والمراد بهم كل من اتخذوه شريكا له جل وعلا من صنم ووثن وشيطان وآدمي وملك وإضافتهم إلى ضمير المشركين لهذا الإتخاذ وقيل : أريد بهم معبوداتهم الباطلة كما تقدم والإضافة إليهم لأنهم جعلوا لهم نصيبا من أموالهم وأنعامهم واقتصر بعضهم على الأصنام ولعل التعميم أولى وقال الحسن شركاؤهم الشياطين شركوهم في الأموال والأولاد وقيل : شركوهم في الكفر أي كفروا مثل كفرهم وقيل : شركوهم في وبال ذلك حيث جملوهم عليه قالوا أي بألسنتهم وقيل : ختم الله تعالى على أفواههم وأنطق جوارحهم فقالت عنهم ربنا هؤلاء شركاؤنا الذين كنا ندعوا من دونك أي نعبدهم ونطيعهم ولعلهم قالوا ذلك طمعا في توزيع العذاب بينهم واعترض بأنه لا يناسب تفسير الشركاء بالأصنام وفيه أنها تجيء على حالة يعقل معها عذابها فلا بأس في ذلك سواء فسرت الشركاء بالأصنام فقط أو بما يعمها وغيرها وقال أبو مسلم : مقصودهم من ذلك إحالة الذنب على الشركاء ظنا منهم أن ذلك ينجيهم من عذاب الله تعالى أو ينقص من عذابهم شيئا .
وتعقبه القاضي بأنه بعيد لأن الكفار يعلمون علما ضروريا في الآخرة أن العذاب سينزل بهم ولا نصرة ولا فدية ولا شفاعة أورد نحوه على ما ذكرنا بناء على أنهم يعلمون علما ضروريا أيضا أنه لا يحمل أحد من عذابهم شيئا .
وأجيب بأنه على تقدير تسليم حصول العلم الضروري لهم بذلك إذ ذاك يجوز أن يدهشوا فيغفلوا عن ذلك فيقولوا ما يقولون طامعين فيما ذكر وهو نظير قولهم : ربنا خفف عنا يوما من العذاب يا مالك ليقض علينا ربك ربنا أخرجنا نعمل صالحا إلى غير ذلك مما لهم علم ضروري عند بعضهم بأنه لا يكون وقيل : إن القوم مع علمهم بأن ما يرجونه ويطمعون فيه لا يحصل لهم أصلا وعدم غفلتهم عن ذلك تغلبهم أنفسهم بمقتضى الطبيعة لشدة ما هم فيه والعياذ بالله تعالى حتى تعلق آمالها بالمحال وقيل : قالوا ذاك اعترافا بأنهم كانوا مخطئين في عبادتهم وتعقب بأنه لا يناسب قوله تعالى : من دونك وفيه تأمل نعم قوله تعالى : فألقوا أي شركاؤهم إليهم القول إنكم لكاذبون .
86 .
- أظهر ملاءمة للأول فإن تكذيبهم إياهم فيما قالوا ظاهر في كونه للمدافعة والتخلص عن غائلة مضمونه والظاهر أن التكذيب راجع إلى دعوى أنهم كانوا يعبدونهم أو يطيعونهم من دون الله تعالى ومرادهم على ما قيل : أنكم ما عبدتمونا حقيقة وإنما عبدتم أشياء تصورتموها بأذهانكم الفاسدة وزعمتم أنا هاتيك الأشياء وهيهات هيهات ليس بيننا وبينها جهة جامعة ولا علاقة نافعة وقيل : إنما كذبوهم وقد كانوا يعبدونهم لأن الأوثان ما كانوا راضين بعبادتهم لهم فكأن عبادتهم لم تكن عبادة لهم كما قالت الملائكة عليهم السلام : بل كانوا يعبدون الجن يعنون أن الجن هم الذين كانوا راضين بعبادتهم لا نحن والشياطين وإن كانوا راضين بعبادتهم لهم لكنهم لم يكونوا حاملين لهم على وجه القسر