سهل المرور في حلقهم لدهنيته أخرج ابن مردوية عن يحيى بن عبد الرحمن ابن أبي لبيبة عن أبيه عن جده أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : ما شرب أحد لبنا فشرق إن الله تعالى يقول لبنا خالصا سائغا للشاربين .
وقرأت فرقة سيغا بتشديد الياء وقرأ عيسى بن عمر سيغا مخففا من سيغ كهين المخفف من هين واستدل بالآية على طهارة لبن المأكول وإباحة شربه وقد احتج بعض من يرى على أن المني طاهر على من جعله نجسا لجريه في مسلك البول بها أيضا وأنه ليس بمستنكر أن يسلك مسلك البول وهو طاهر كما خرج اللبن من بين فرث ودم طاهرا وفي التفسير الكبير قال أهل التحقيق : اعتبار حدوث اللبن كما يدل على وجود الصانع المختار يدل على إمكان الحشر والنشر وذلك لأن هذا العشب الذي يأكله الحيوان إنما يتولد من الماء والأرض فخالق العالم دبر تدبيرا انقلب به لبنا ثم دبر تدبيرا آخر حدث من ذلك اللبن الدهن والجبن وهذا يدل على أنه تعالى قادر على أن يقلب هذه الأجسام من صفة إلى صفة ومن حالة إلى حالة فإذا كان كذلك لم يمتنع أيضا أن يكون قادرا على أن يقلب أجزاء أبدان الأموات إلى صفة الحياة والعقل كما كانت قبل ذلك فهذا الإعتبار يدل من هذا الوجه على أن البعث والقيامة أمر ممكن غير ممتنع .
ومن ثمرات النخيل والأعناب متعلق بمحذوف تقديره ونسقيكم من ثمرات النخيل والأعناب أي من عصيرهما وحذف لدلالة نسقيكم قبله عليه وقوله تعالى : تتخذون منه سكرا ورزقا حسنا بيان وكشف عن كنة الإسقاء أو يتخذون و منه من تكرير الظرف للتأكيد كما في قولك زيد في الدار فيها أو خبر لمحذوف صفته تتخذون أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون منه وضمير منه عائد إما على المضاف المقدر أو على الثمرات المؤولة بالثمر لأنه جمع معرف أريد به الجنس وفائدة الصيغة الإشارة إلى تعداد الأنواع أو على ثمر المقدر و السكر الخمر قال الأخطل : بئس الصحاة وبئس الشرب شربهم إذا جرى فيهم المزاء والسكر وهو في الأصل مصدر سكر سكرا وسكرا نحو وشد رشدا ورشدا واستشهد له بقوله : وجاؤنا بهم سكر علينا فأجلى اليوم والسكران صاحي وفسروا الرزق الحسن بالخل والرب والتمر والزبيب وغير ذلك وإليه ذهب صاحب الكشاف وقد ذكر في توجيه إعرابها ما ذكرناه وقدم الوجه الأول من أوجهه الثلاثة وهو ظاهر في ترجيحه وصرح به الطيبي وبينه بما بينه وأخر الثالث وهو ظاهر في أنه دون أخويه وفي الكشف بعد نقل كلامه في الوجه الأول فيه إضمار العصير وأنه لا يصلح عطفا في الظاهر على السابق لأنه لا يصلح بيانا للعبرة في الأنعام وفيه أن تتخذون لا يصلح كشفا عن كنه الإسقاء كيف وقد فسر الرزق الحسن بالتمر والزبيب أيضا وأي مدخل للعصير وأين هذا البيان من البيان بقوله تعالى : نسقيكم ليجعل مدركا لترجيحه فهذا وجه مرجوح مؤول بأنه عطف على مجموع السابق وأوثر الفعلية لمكان قربه من نسقيكم وقوله تعالى : تتخذون منه سكرا ثم البيان عنده ثم أتى بفائدة زائدة وأظهر الأوجه ماذكر آخر أي ومن ثمرات النخيل والأعناب ثمر تتخذون ليكون عطفا للإسمية على الأسمية أعني قوله تعالى وإن لكم في الأنعام لعبرة ولما لم يكن العبرة فيه كالأول اكتفى بكونه عطفا على ما هو عبرة ولم يصرح وأفيد بالتبعيض