حملة الكتاب انتهى ويعلم منه أن رجوع الضمير المفرد المذكر إلى الأنعام عند سيبويه باعتبار أنه مفرد على لغة بعض العرب ومن قال : إنه جمع نعم جعل الضمير للبعض أما المقدر أي بعض الأنعام أو المفهوم منها أو للأنعام باعتبار بعضها وهو الإناث التي يكون اللبن منها أو لواحده كما في قول ابن الحاجب : المرفوعات هو ما شتمل على علم الفاعلية أو له على المعنى لأن الجنسية تسوي بين المفرد والجمع في المعنى فيجوز عود ضمير كل منهما على الآخر وفي البحر أعاد الضمير مذكرا مراعاة الجنس لأنه إذا صح وقوع المفرد الدال على الجنس مقام جمعه جاز عوده عليه مذكرا كقولهم هو أحسن الفتيان وأبتله لأنه يصح هو أحسن فتى وإن كان هذا لا ينقاس عند سيبويه وقيل جمع التكثير فيما لا يعقل يعامل معاملة الجماعة ومعاملة الجمع فيعود الضمير عليه مفردا كقوله .
مثل الفراخ نتفت حواصله .
وقال الكسائي : أفرد وذكر على تقدير المذكور كما يفرد اسم الإشارة بعد الجمع كقوله : فيها خطوط من سواد وباق كأنه في الجلد توليع البهق وهو في القرآن سائغ ومنه قوله تعالى : إن هذه تذكرة فمن شاء ذكره فلما رأى الشمس بازغة قال هذا ربي ولا يكون هذا إلا في التأنيث المجازي فلا يجوز جاريتك ذهب واعترض بأنه كيف جمع نعم وهي تختص بالإبل والأنعام تقال للبقر والإبل والغنم مع أنه لو اختص كان مساويا وأجيب بأن من يراه جمعا له يخص الأنعام أو يعمم النعم ويجعل التفرقة ناشئة من الإستعمال ويجعل الجمع للدلالة على تعدد الأنواع .
وقرأ ابن مسعود بخلاف عنه والحسن وزيد بن علي رضي الله تعالى عنهما وابن عامر ونافع وأبو بكر وأهل المدينة نسقيكم بفتح النون هنا وفي المؤمنين على أنه مضارع سقى وهو لغة في أسقى عند جمع وأنشدوا قول لبيد سقى قومي بني مجد وأسقى نميرا والقبائل من هلال وقال بعض : يقال سقيته لشفته وأسقيته لماشيته وأرضه وقيل : سقاه بمعنى رواه بالماء وأسقاه بمعنى جعله معدا له وفيه كلام بعد فتذكر وقرأ أبو رحاء يسقيكم بالياء مضمومة والضمير عائد على الله تعالى .
وقال صاحب اللوامح : ويجوز أن يكون عائدا على النعم وذكر لأن النعم مما يذكر ويؤنث والمعنى وإن لكم في الأنعام نعما يسقيكم أي يجعل لكم سقيا وهو كما ترى وقرأت فرقة منهم أبو جعفر تسقيكم بالتاء الفوقية مفتوحة قال ابن عطية : وهي قراءة ضعيفة انتهى ولم يبين وجه ضعفها وكأنه والله تعالى أعلم به اجتماع التأنيث في تسقيكم والتذكير في بطونه وغفل أن مثل ذلك لا يعد ضعفا لأن للتأنيث والتذكير باعتبار وجهين .
من بين فرث ودم لبنا الفرث على ما في الصحاح السرجين مادام في الكرش والجمع فروث وفي البحر كثيف ما يبقى من المأكول في الكرش أو المعي و بين تقتضي متعددا وهو هنا الفرث والدم فيكون مقتضي النظم توسط اللبن بينهما وروي ذلك الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال : إن البهيمة إذا اعتلفت وأنضج العلف في كرشها كان أسفله فرثا وأوسطه لبنا وأعلاه دما .
وروي نحوه عن ابن جبير فالبينة على حقيقتها وظاهرها وتعقب ذلك الإمام الرازي بقوله : ولقائل أن يقول : اللبن والدم لا يتولدان في الكرش والدليل عليه الحس فإن الحيوانات تذبح دائما ولا يرى في كرشها شيء من ذلك ولو كان تولد ما ذكر فيه لوجب أن يشاهد في بعض الأحوال والشيء الذي دلت المشاهدة على فساده