قال تعالى لجميع المكلفين بواسطة الرسل عليهم السلام : لا تتخذوا إليهين اثنين المشهور أن اثنين وصف لإلهين وكذا واحد في قوله سبحانه : إنما هو إله واحد صفة لإله وجيء بهما للإيضاح والتفسير لا للتأكيد وإن حصل وتقرير ذلك أن لفظ إلهين حامل لمعنى الجنسية أعني الإلهية ومعنى العدد أعني الأثنينية وكذا لفظ إله حامل لمعنى الجنسية والوحدة والغرض المسوق له الكلام في الأول النهي عن اتخاذ الإثنين من الإله لا عن اتخاذ جنس الإله وفي الثاني إثبات الواحد من الإله لا إثبات جنسه فوصف إلهين باثنين وإله بواحد إيضاحا لهذا الغرض وتفسيرا له فإنه قد يراد بالمفرد الجنس نحو نعم الرجل زيد وكذا المثنى كقوله : فإن النار بالعودين تذكي وأن الحرب أولها الكلام وإلى هذا ذهب صاحب الكشاف وما يفهم منه أنه تأكيد فمعناه أنه محقق ومقرر من المتبوع فهو تأكيد لغوي لا أنه مؤكد أمر المتبوع في النسبة أو الشمول ليكون تأكيدا صناعيا كيف وهو إنما يكون بتقرير المتبوع بنفسه أو بما يوافقه معنى أو بألفاظ محظوظة فما قيل : أن مذهبه إن ذلك من التأكيد الصناعي ليس بشيء إذ لا دلالة في كلامه عليه وقد أورد الكسائي الآية في باب عطف البيان مصرحا بأنه من هذا القبيل فتوهم منه بعضهم أنه قائل بأن ذلك عطف بيان صناعي وهو الذي اختاره العلامة القطب في شرح المفتاح نافيا وصفا واستدل على ذلك بأن معنى قولهم : الصفة تابع يدل على معنى في متبوعه أنه تابع ذكر ليدل على معنى في متبوعه على ما نقل عن ابن الحاجب ولم يذكر إثنين وواحد للدلالة على الإثنينية والوحدة اللتين في متبوعهما فيكونا وصفين بل ذكرا للدلالة على أن القصد من متبوعهما إلى أحد جزئيه أعني الأثنينية والوحدة دون الجزء الآخر أعني الجنسية فكل منهما تابع غير صفة يوضح متبوعه فيكون عطف بيان لا صفة .
وقال العلامة الثاني : ليس في كلام السكاكي ما يدل على أنه عطف بيان صناعي لجواز أن يريد أنه من قبيل الإيضاح والتفسير وإن كان وصفا صناعيا ويكون إيراده في ذلك المبحث مثل إيراد كل رجل عارف وكل إنسان حيوان في بحث التأكيد ومثل ذلك عادة له وتعقب العلامة الأول بأنه إن أريد أنه لم يذكر إلا ليدل على معنى في متبوعه فلا يصدق التعريف على شيء من الصفة لأنها البتة تكون لتخصيص أو تأكيد أو مدح أو نحو ذلك وإن أريد أنه ذكر ليدل على هذا المعنى ويكون الغرض من دلالته عليه شيئا آخر كالتخصيص والتأكيد وغيرهما فيجوز أن يكون ذكر اثنين وواحد للدلالة على الأثنينية والوحدة ويكون الغرض من هذا بيان المقصود وتفسيره كما أن الدابر في أمس الدابر ذكر ليدل على معنى الدبور والغرض منه التأكيد بل الأمر كذلك عند التحقيق ألا ترى أن السكاكي جعل من الوصف ما هو كاشف وموضع ولم يخرج بهذا عن الوصفية وأجيب بأنا نختار الشق الثاني ونقول : مراد العلامة من قوله : ذكر ليدل على معنى في متبوعه أن يكون المقصود من ذكره الدلالة على حصول المعنى في المتبوع ليتوسل بذلك إلى التخصيص أو التوضيح أو المدح أو الذم إلى غير ذلك وذكر إثنين وواحد ليس للدلالة على حصول الأثنينية والوحدة في موصوفيهما بل تعيين المقصود من جزئيهما فلا يكونان صفة وذكر الدابر ليدل على حصول الدبور في الأمس ثم يتوسل بذلك إلى التأكيد وكذا في الوصف الكاشف بخلاف ما نحن فيه فتدبره