الأكرمين كان من الرجاء بمكان مكين وزعم بعضهم أن خوفهم ليس إلا خوف إجلال ومهابة لا خوف وعيد وعذاب ويرده قوله تعالى : وهم من خشيته مشفقون ومن يقل منهم إني إله من دونه فذلك نجزيه جهنم ولا ينافي ذلك عصمتهم وقال الإمام : الأصح أن ذلك الخوف من خوف الإجلال وذكر أنه نقل عن ابن عباس واستدل له بقوله تعالى : إنما يخشى الله من عباده العلماء وفي القلب منه شيء والحق أن الآية لا تصلح دليلا لكون الملائكة أفضل من البشر واستدل بها فرقة على ذلك من أربعة أوجه ذكرها الإمام ولم يتعقبها بشيء لأنه ممن يقول بهذه الأفضلية وموضع ذلك كتب الكلام .
هذا ومن باب الإشارة في الآيات أتى أمر الله وهو القيامة الكبرى التي يرتفع فيها حجب التعينات ويضمحل السوى ولما كان صلى الله تعالى عليه وسلم مشاهدا لذلك في عين الجمع قال أتى ولما كان ظهورها على التفصيل بحيث تظهر للكل لا يكون إلا بعد حين قال : فلا تستعجلوه لأن هذا ليس وقت ظهوره ثم أكد شهوده لوجه الله تعالى وفناء الخلق في القيامة بقوله : سبحانه وتعالى عما يشركون بإثبات وجود الغير ثم فصل ما شاهد في عين الجمع لكونه في مقام الفرق بعد الجمع لا يحتجب بالوحدة عن الكثرة ولا بالعكس فقال : ينزل الملائكة بالروح وهو العلم الذي تحيا به القلوب على من يشاء من عباده وهم المخلصون له أن أنذروا أنه لا إله إلا أنا فاتقون وقال بعضهم : أي خوفوا الخلق من الخواطر الرديئة الممزوجة بالنظر إلى غيري وخوفهم من عظيم جلالي وهذا وحي تبليغ وهو مخصوص بالمرسلين عليهم السلام وذكروا أن الوحي إذا لم يكن كذلك غير مخصوص بهم بل يكون للأولياء أيضا الذين قالوا ربنا الله ثم استقاموا تتنزل عليهم الملائكة أن لا تخافوا ولا تحزنوا وقد روي عن بعض أئمة أهل البيت أن الملائكة تزاحمهم في مجالسهم ثم أنه تعالى عدد الصفات وفصل النعم فقال : خلق السماوات والأرض بالحق الخ وفي قوله سبحانه : ويحمل أثقالكم الخ إشارة كما نقل عن الجنيد قدس سره إلى أنه ينبغي لمن أراد البلوغ إلى مقصده أن يكون أول أمره وقصده الجهد والإجتهاد ليوصله بركة ذلك إلى مقصوده وذكروا أن المحمولين من العباد إلى المقاصد أصناف وكذا المحمول عليه فمحمول بنور الفعل ومحمول بنور الصفة ومحمول بنور الذات فالمحمول بنور الفعل يكون بلده مقام الخوف والرجاء ومحلته صدق اليقين وداره مربع الشهود والمحمول بنور الصفة يكون بلده مقام المعرفة ومحلته صفو الخلة وداره دار المودة والمحمول بنور الذات يكون بلده التوحيد ومحلته الفناء وداره البقاء وهذه الأصناف للسالك وأما المجذوب فمحمول على مطية الفضل إلى بلد المشاهدة وفي قوله سبحانه : ويخلق ما لا تعلمون تحيير للإفهام وتعجيز أي تعجيز عن أن تدرك الملك العلام وقال بعضهم : إن فيها تعليما للوقوف عندما لا يدركه العقل من آثار الصنع وفنون العلم وعدم مقابلة ذلك بالإنكار حيث أخبر سبحانه أنه يخلق ما لا يعلم بمقتضى القوى البشرية المعتادة وإنما بقوة إلهية وعناية صمدية ألا ترى الصوفية الذين من الله تعالى عليهم بما من كيف علموا عوالم عظيمة نسبة عالم الشهادة إليها كنسبة الذرة إلى الجبل العظيم وممن زعم الإنتظار في سلكهم كالكفشية الملقبين أنفسهم بالكشفية من ذكر من ذلك أشياء لا يشك العاقل في أنها لا أصل لها بل لو عرض كلامهم في ذلك على الأطفال أو المجانين لم يشكوا في أنه حديث خرافة صادر عن محض التخيل وأنا أسأل الله تعالى أن لا يبتلي مسلما بمثل ما ابتلاهم وقد عزمت حين رأيت بعض كتبهم التي ألفها بعض معاصرينا منهم مما اشتمل على ذلك على أن أصنع نحو ما صنعوا