التخوف وقيل : لما كان التقلب شاغلا الإنسان بسائر جوارحه حتى كأنه محيط به وهو مظروف فيه جيء بقي معه والتخوف أي المخالفة إنما يقوم بعضو من أعضائه فقط وهو القلب المحيط به بدن الإنيان فلذا جيء بعلي معه وقيل : إن على بمعنى مع كما في قوله تعالى : وآتى المال على حبه أي يأخذهم مصاحبين لذلك ولما كان التخوف نفسه نوعا من العذاب لما فيه من تألم القلب ومشغولية الذهن وكان الأخذ مشيرا إلى نوع آخر من العذاب أيضا جيء بعلى التي بمعنى مع ليكون المعنى يعذبهم مع عذابهم ولم يعتبر ذلك مع التقلب مرادا به الإقبال والإدبار 0 في الأسفار والمتاجر مع أنه جاء السفر قطعة من العذاب لأنهم لا يدعون ذلك عذابا وفي القلب من هذا شيء فتدبر وتأمل فأسرار كتاب الله تعالى لا تحصى فإن ربكم لرؤف رحيم .
47 .
- جعله ابن بحر تعليلا للأخذ على تخوف بناء على أن المراد به أخذهم على حدوث حالات يخاف منها كالرياح الشديدة والصواعق والزلازل لا بغتة فإن في ذلك امتداد وقت ومهلة يمكن فيها التلافي فكأنه قيل : يأخذهم على تخوف ولا يفاجئهم لأنه سبحانه رءوف رحيم وذلك أنسب برأفته ورحمته جل وعلا وجوز أن يكون تعليلا لذلك على المعنى الأخير فإن في تنقصهم شيئا بعد شيء دون أخذهم دفعة إمهالا في الجملة وهو مطلقا من آثار الرحمة وقيل : هو تعليل لما يفهم من الآية من أنه سبحانه قادر على إهلاكهم بأي وجه لكنه تعالى لم يفعل وقيل : هو كالتعليل للأمر المستفهم عنه والتعبير بعنوان الربوبية مع الإضافة إلى ضمير الخطاب من آثار رحمته جل شأنه .
أو لم يروا الهمزة للإنكار والواو للعطف على مقدر يقتضيه المقام والرؤية بصرية مؤدية إلى التفكر والضمير للذين مكروا السيئات أي ألم ينظر هؤلاء الماكرون ولم يروا متوجهين إلى ما خلق الله .
وقيل : الضمير للناس الشامل لأولئك وغيرهم والإنكار بالنسبة إليهم وقرأ السلمي والأعرج والإخوان أو لم تروا بتاء الخطاب جريا على أسلوب قوله تعالى : فإن ربكم كما أن الجمهور قرءوا بالياء جريا على أسلوب قوله تعالى : أفأمن الذين مكروا وذكر الخفاجي وغيره أن قراءة التاء على الإلتفات أو تقدير قل أو الخطاب فيها عام للخلق و ما موصولة مبهمة وقوله تعالى : من شيء بيان لها لكن باعتبار صفته وهي قوله تعالى : يتفيؤا ظلاله فهي المبينة في الحقيقة والموصوف توطئة لها وإلا فأي بيان يحصل به نفسه والتفيؤ تفعل من فاء يفيء فيئا إذا رجع وفاء لازم وإذا عدى فبالهمزة أو التضعيف كأفاءه الله تعالى وفيأه فتفيأ وتفيا مطلوع له لازم وقد استعمله أبو تمام متعديا في قوله من قصيدة يمدح بها خالد بن يزيد الشيباني : طلبت ربيع ربيعه الههمي لها وتفيأت طلا له ممدودا ويحتاج ذلك إلى نقل من كلام العرب والظلال جمع ظل وهو في قول ما يكون بالغداة وهو مالم تنله الشمس وألفيء بالعشيء وهو ما انصرفت عنه الشمس وأنشدوا له قول حميد بن ثور يصف سرحة وكنى بها عن امرأة : فلا الظل من برد الضحى تستطيعه ولا الفيء من برد العشي تذوق ونقل ثعلب عن رؤبة ما كانت عليه الشمس فزالت عنه فيء وظل وما لم تكن عليه فهو ظل فالظل أعم من الفيء وقيل : هما مترادفان يطلق كل منهما على ما كان قبل الزوال وعلى خلافه وأنشد أبو زيد