وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا نوحي إليهم رد لقريش حيث أنكروا رسالة النبي صلى الله عليه وسلّم وقالوا : الله تعالى أعظم أن يكون رسوله بشرا هلا بعث إلينا ملكا أي جرت السنة الإلهية حسبما اقتضته الحكمة بأن لا نبعث للدعوة العامة إلا بشرا نوحي إليهم بواسطة الملك في الأغلب الأوامر والنواهي ليبلغوها ويحترز بالدعوة العامة عن بعث الملك للأنبياء عليهم السلام للتبليغ أو لغيرهم كبعثه لمريم للبشارة وبالأغلب بعض أقسام الوحي مما لم يكن بواسطة الملك كما يشير إليه قوله تعالى : وما كان لبشر أن يكلمه الله وحيا أو من وراء حجاب أو يرسل رسولا فيوحي باذنه ما يشاء وقرأ الجمهور يوحي بالياء وفتح الحاء وفرقة بالياء وكسرها وعبد الله والسلمي : وطلحة وحفص بالنون وكسرها وفي ذلك من تعظيم أمر الوحي ما لا يخفى ولما كان المقصود من الخطاب لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم تنبيه الكفار على مضمونه صرف الخطاب إليهم فقيل : فاسألوا أهل الذكر أي أهل الكتاب من اليهود والنصارى قاله ابن عباس والحسن والسدي وغيرهم وتسمية الكتاب تعلم مما سيأتي إن شاء الله تعالى وعن مجاهد تخصيصه بالتوراة لقوله تعالى : ولقد كتبنا في الزبور من بعد الذكر فأهله اليهود .
قال في البحر والمراد من لم يسلم من أهل الكتاب لأنهم الذين لا يتهمون عند أهل مكة في أخبارهم بأن الرسل عليهم السلام كانوا رجالا فإخبارهم بذلك حجة عليهم والمراد كسر حجتهم وإلزامهم وإلا فالحق واضح في نفسه لا يحتاج فيه إلى إخبار هؤلاء وقد أرسل المشركون بعد نزولها إلى أهل يتثرب يسألونهم عن ذلك وقال الأعمش وابن عيينة وابن جبير : المراد من أسلم منهم كعبد الله بن سلام وسلمان الفارسي رضي الله تعالى عنهما وغيرهما .
ويضعفه أن قول من أسلم لا حجة فيه على الكفار ومنه يعلم ضعف ما قال أبو جعفر وابن زيد من أن المراد من الذكر القرآن لأن الله تعالى سماه ذكرا في مواضع منها ما سيأتي إن شاء الله تعالى قريبا وأهل الذكر على هذا المسلمون مطلقا وخصهم بعض الإمامية بالأئمة أهل البيت احتجاجا بما رواه جابر ومحمد بن مسلم منهم عن أبي جعفر رضي الله تعالى عنه أنه قال : نحن أهل الذكر وبعضهم فسر الذكر بالنبي A لقوله تعالى : ذكرا رسولا على قول ويقال على مقتضى ما في البحر : كيف يقنع كفار أهل مكة بخبر أهل البيت في ذلك وليسوا بأصدق من رسول الله A عندهم وهو E المشهور فيما بينهم بالأمين ولعل ما رواه ابن مردويه منا موافقا بظاهره لمن زعمه البعض من الإمامية عن أنس قال : سمعت رسول الله A يقول : إن الرجل ليصلي ويصوم ويحج ويعتمر وأنه لمنافق قيل : يا رسول الله بماذا دخل الجنة عليه النفاق قال : يطعن على إمامه وأمامه من قال الله تعالى في كتابه : فاسألوا أهل الذكر إلى آخره مما لا يصح وأنا أقول يجوز أن يراد من أهل الذكر أهل القرآن وإن قال أبو حيان ما قال وستعلم وجهه قريبا إن شاء الله تعالى المنان وقال الرماني والزجاج والأزهري : المراد بأهل الذكر علماء أخبار الأمم السالفة كائنا من كان فالذكر بمعنى الحفظ كأنه قيل : اسألوا المطلعين على أخبار الأمم يعلموكم بذلك لإن كنتم لا تعلمون .
43 .
- وجواب إن إما محذوف لدلالة ما قبله عليه أي فاسألوا وإما نفس ما قبله بناء على جواز تقدم الجواب على الشرط واستدل بالآية على أنه تعالى لم يرسل امرأة ولا صبيا ولا ينافيه نبوة عيسى عليه السلام في المهد فإن النبوة أعم من الرسالة ولا يقتضي صحة القول بنبوة مريم أيضا لأن غايته نفي رسالة المرأة ولا يلزم من ذلك إثبات نبوتها وذهب إلى صحة نبوة النساء جماعة وصحح ذلك ابن السيد ولا ينافي ما دلت عليه الآية من نفي إرسال الملائكة عليهم السلام قوله تعالى : جاعل الملائكة رسلا لأن المراد جاعلهم