ومثله في التحريم فهو يؤكد دفع العذر لا أنه يحققه وذكر أن معنى فهل على الرسل أن الذي على الرسل أن يبلغوا ويبينوا معالم الهدى بالإرشاد إلى تمهيد قواعد النظر والإمداد بأدلة السمع والبصر ولا عليهم من مجادلة من يريد أن يدحض ببطله الحق إلا بلج إذ بعد ذلك التبيين يتضح الحق للناظرين ولا تجدى نفعا مجادلة المعاندين وجوز أن يكون قولهم هذا منعا للبعثة والتكليف متمسكين بأن ما شاء الله تعالى يجب وما لم يشأ يمتنع فما الفائدة فيهما أو إنكار لقبح ما أنكر عليهم من الشرك والتحريم محتجين بأن ذلك لو كان مستقبحا لما شاء الله تعالى صدوره عنا أو لشاء خلافه ملجأ إليه وأشير إلى وجوب الشبهة الأولى بقوله سبحانه : فهل على الرسل إلى آخره كأنه قيل : إن فائدة البعثة البلاغ الموضح للحق فإن ما شاء الله تعالى وجوده أو عدمه لا يجب ولا يمتنع كما زعمتم بل قد يجب أو يمتنع بتوسط أسباب قدرها سبحانه ومن ذلك البعثة فإنها تؤدي إلى هدى من شاء الله تعالى على سبيل التوسط وأما الشبهة الثانية فقد أشير إلى جوابها في قوله تعالى : ولقد بعثنا في كل أمة من الأمم الخالية رسولا أن اعبدوا الله وحده واجتنبوا الطاغوت هو كل ما يدعو إلى الضلالة وقال الحسن : هو الشيطان والمراد من اجتابه اجتناب ما يدعو إليه .
فمنهم أي من أولئك الأمم من هدى الله إلى الحق من عبادته أو اجتناب الطاغوت بأن وفقهم لذلك ومنهم من حفت عليه الضلالة ثبتت ووجبت إذ لم يوفقهم ولم يرد هدايتهم ووجه الإشارة أن تحقق الضلال وثباته من حيث أنه وقع قسيما للهداية التي هي بإرادته تعالى ومشيئته كان هو أيضا كذلك .
وأما أن إرادة القبيح قبيحة فلا يجوز اتصاف الله سبحانه بها فظاهر الفساد لأن القبيح كسب القبيح والإتصاف به لا إرادته وخلقه على ما تقرر في الكلام وأنت تعلم أن كلتا الإشارتين في غاية الخفاء ولينظر أي حاجة إلى الحصر وما المراد به على جعل فهل على الرسل إلى آخره مشيرا إلى جوانب الشبهة الأولى .
وقال الإمام : إن المشركين أرادوا من قولهم ذلك أنه لما كان الكل من الله تعالى كان بعثه الأنبياء عليهم السلام عبثا فنقول : هذا اعتراض على الله تعالى وجار مجرى طلب العلة في أحكامه تعالى وأفعاله وذلك باطل إذ لله سبحانه أن يفعل في ملكه ما يشاء ويحكم ما يريد ولا يجوز أن يقال له لم فعلت هذا ولم لم تفعل ذاك .
والدليل على أن الإنكار إنما توجه إلى هذا المعنى أنه تعالى صرح بهذا المعنى في قوله سبحانه : ولقد بعثنا إلى آخره حيث بين فيه أن سنته سبحانه في عباده إرسال الرسل إليهم وأمرهم بعبادته ونهيهم عن عبادة غيره وأفاد أنه تعالى وإن أمر الكل ونهاهم إلا أنه جل جلاله هدى البعض وأضل البعض ولا شك أنه إنما يحسن منه تعالى ذلك بحكم كونه إلها منزها عن اعتراضات المعترضين ومطالبات المنازعين فكان إيراد هذا السؤال من هؤلاء الكفار موجبا للجهل والضلال والبعد عن الله المتعال فثبت أن الله تعالى إنما ذم هؤلاء القائلين لأنهم اعتقدوا أن كون الأمر كذلك يمنع من جواز بعثة الرسل لا لأنهم كذبوا في قولهم ذلك وهذا هو الجواب الصحيح الذي يعول عليه في هذا الباب ومعنى فهل على الرسل إلى آخره أنه تعالى أمر الرسل عليهم السلام بالتبليغ فهو الواجب عليهم وأما أن الإيمان هل يحصل أو لا يحصل فذاك لا تعلق للرسل به ولكن الله تعالى يهدي من يشاء بإحسانه ويضل من يشاء بخذلانه أه وهو كما ترى