بالأبواب أصناف العذاب فقد جاء إطلاق الباب على الصنف كما يقال : فلان ينظر في باب من العلم أي صنف منه وحينئذ لا مانع في كون الخطاب لكل فرد وأبعد من قال : المراد بتلك الأبواب قبور الكفرة المملوأة عذابا مستدلا بما جاء القبر روضة من رياض الجنة أو حفر من حفر النار خالدين فيها حال مقدرة إن أريد بالدخول حدوثه ومقارنة أن أريد به مطلق الكون وضمير فيها قيل : للأبواب بمعنى تطبقات وقيل : لجهنم والتزم هذا وكون الحال مقدرة من أبعد وحمل الخلود على المكث الطويل للإستغناء على هذا الإلتزام وإن كان كان واقعا في كلامهم خلاف المعهود في القرآن الكريم فلبئس مثى المتكبرين .
29 .
- أي عن التوحيد وذكرهم بعنوان التكبر للإشعار بعليته لثوابهم فيها وقد وصف سبحانه الكفار فيما تقدم بالإستكبار وهنا بالتكبر وذكر الراغب أنهما والكبر تتقارب فالكبر الحاللة التي يتخصص بها الإنسان من إعجابه بنفسه والإستكبار على وجهين : أحدهما أن يتحرى الإنسان ويطلب أن يصير كبيرا وذلك متى ما يحب وفي المكان الذي يحب وفي الوقت الذي يحب وهو محمود والثاني أن يتشبع فيظهر من نفسه ما ليس له وهو مذموم والتكبر على وجهين أيضا الأول أن تكون الأفعال الحسنة كثيرة في الحقيقة وزوائد على محاسن غيره وعلى هذا وصف الله تعالى بالمتكبر والثاني أن يكون متكلفا لذلك متشبعا وذلك في وصف عامة الناس والتكبر على الوجه الأول محمود وعلى الثاني مذموم والمخصوص بالذم محذوف أي جهنم أو أبوابها إن فسرت بالطبقات والفاء عاطفة واللام جيء بها للتأكيد اعتناء بالذم لما أن القوم ضالون مضلون كما ينبيء عنه قوله تعالى : ليحملوا أوزارهم كاملة يوم القيامة ومن أوزار الذين يضلونهم بغير علم وللتأكيد اعتناء بالمدح جيء باللام أيضا فيما بعد من قوله سبحانه : ولدار الآخرة خير ولنعم دار المتقين لأن أولئك القوم على ضد هؤلاء هادون مهديون وكأنه لعدم هذا المقتضى في آيتي الزمر والمؤمن لم يؤت باللام وقيل : فبئس مثوى المتكبرين وقيل : التأكيد متوجه لما يفهم من الجملة من أن جهنم مثواهم وحيث أنه لم يفهم من الآيات قبل هنا فهمه منها قبل آيتي تينك السورتين جيء بالتأكيد هناك ولم يجيء به هنا اكتفاء بما هو كالصريح في إفادة أنها مثواهم مما ستسمعه إن شاء الله تعالى هناك .
وقيل للذين اتقوا أي المؤمنين وصفوا بذلك إشعارا بأن ما صدر عنهم من الجواب ناشيء من التقوى .
ماذا أنزل ربكم قالوا خيرا أي أنزل خيرا فماذا اسم واحد مركب للإستفهام بمعنى أي شيء محله النصب بأنزل و خيرا مفعول لفعل محذوف وفي اختيار ذلك دليل على أنهم لم يتلعثموا في الجواب وأطبقوه على السؤال معترفين بالإنزال على خلاف الكفرة حيث عدلوا بالجواب عن السؤال فقالوا : هو أساطير الأولين وليس من الإنزال في شيء نعم قرأ زيد بن علي رضي الله تعالى عنهما خير بالرفع فما اسم إستفهام و ذا إسم موصول بمعنى الذي أي أي شيء الذي أنزله ربكم و خير خبر مبتدأ محذوف فيتوافق جملتا الجواب والسؤال في كون كل منهما جملة إسمية وجعل ماذا منصوبا على المفعولية كما مر ورفع خير على الخبرية لمبتدأ جائز إلا أنه خلاف الأولى وفي الكشف أنه يظهر من الوقوف على مراد صاحب الكشاف في هذا المقام أن فائدة النصب مع أن الرفع أقوى دفع الإلتباس ليكون نصا في المطلوب كما أوثر النصب في