وفي ذلك زيادة في توبيخهم ليست في أين أصنامكم مثلا لو قيل ولا يخفى أن هذا خزي وإهانة بالقول فإذا فسر الأخزاء فيما تقدم بالتعذيب بالنار كانت الآية مشيرة إلى خزيين فعلى وقولي وأشير إلى الأول أولا لأنه أنسب بسابقه وقرأ الجمهور شركائي ممدودا مهموزا مفتوح الياء وفرقة كذلك إلا أنهم سكنوا الياء فتسقط في الدرج لالتقاء الساكنين والبزي عن ابن كثير بخلاف عنه بالقصر وفتح الياء وأنكر ذلك جماعة وزعموا أن هذه القراءة غير مأخوذ لأن قصر الممدود لا يجوز إلا ضرورة وليس كما قالوا فإنه يجوز في السعة وقد وجه أيضا بأن الهمزة المكسورة قبل الياء حذفت للتخفيف وليس كقصر الممدود مطلقا مع أنه قد روي عن ابن كثير قصر التي في القصص و ورائي في مريم وعن قنبل قصر أن رآه استغنى في العلق فكيف يعد ذلك ضرورة .
نعم قال أبو حيان : إن وقوعه في الكلام قليل فاعرف ذلك فقد غفل عنه كثير من الناس .
الذين كنتم تشاقون فيهم أي تخاصمون وتنازعون الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم في شأنهم وتزعمون أنهم شركاء حقا حين بيتوا لكم ضد ذلك وفسر بعضهم المشاقة بالمعاداة وتفسيرها بالمخاصمة ليظهر تعلق فيهم به ولا يحتاج إلى جعل في للسببية أولى وقيل : للمخاصمة مشاقة أخذا من شق العصا أو لكون كل من المتخاصمين في شق والمراد بالإستفهام استحضارها للشفاعة على طريق الإستهزاء والتبكيت فإنهم كانوا يقولون : إن صح ما تقولون فالأصنام تشفع لنا والأسفار عن مكانتهم لا يوجب غيبتهم حقيقة بل يكفي في ذلك عدم حضورهم بالعنوان الذي كانوا يزعمون أنهم متصفون به فليس هناك شركاء ولا أماكنها .
وقيل : إن ذلك يوجب الغيبة ويقال : إنه يحال بينهم وبين شركائهم حينئذ ليتفقدوهم في ساعة علقوا الرجاء بها فيهم أو أنهم لما لم ينفعوهم فكأنهم غيب ولا يحتاج إلى هذا بعدما علمت على أنه أورد على قوله ليتفقدوهم إلى آخره أنه ليس بسديد فإنه قد تبين للمشركين حقيقة الأمر فرجعوا عن ذلك الزعم الباطل فكيف يتصور منهم التفقد وأجيب بأنه يجوز أن يغفلوا لعظم الهول عن ذلك فيتفقدوهم ثم إن ما ذكر يقتضي حشر الأصنام وهو الذي يدل عليه كثير من الآيات كقوله تعالى : إنكم وما تعبدون من دون الله حصب جهنم وقوله سبحانه : وقودها الناس والحجارة على قول ولا أرى ما نعا من حمل الشركاء على معبوداتهم الباطلة بحيث تشمل ذوي العقول أيضا وقرأ الجمهور تشاقون بفتح النون ونافع بكسرها ورويت عن الحسن ولا يلتفت إلى تضعيف أبي حاتم وقرأت فرقة بتشديدها على أنه أدغم نون الرفع في نون الوقاية والكسر على حذف ياء المتكلم والإكتفاء به أي تشاقونني على أن مشاقة الأنبياء عليهم السلام وأتباعهم كمشاقة الله تعالى شأنه ولو لا ذلك لم يصح تعليق المشاقة به سبحانه أما إذا كانت بمعنى المخاصمة فظاهر أنهم لم يخاصموا الله تعالى وأما إذا كانت بمعنى العداوة فلأنهم لا يعتقدون أنهم أعداء لله تعالى : وأما قوله تعالى لا تتخذوا عدوي وعدوكم أولياء يعني المشركين فمؤول أيضا بغير شبهة قال الذين أوتوا العلم من أهل الموقف وهم الأنبياء عليهم السلام والمؤمنون الذين أوتوا علما بدلائل التوحيد وكانوا يدعونهم في الدنيا إلى التوحيد فيجادلونهم ويتكبرون عليهم واقتصر يحيى بن سلام على المؤمنين والأمر فيه سهل وعن ابن عباس رضي الله تعالى عنهم أنهم الملائكة عليهم السلام ولم نقف على تقييده إياهم وعن مقاتل أنهم الحفظة منهم ويشعر كلام بعضهم بأنهم ملائكة