وقال صاحب التقريب : إن في كلام الزمخشري نظرا وبينه بما بينه وأجاب بما أجاب وأطال الطيبي الكلام في ذلك وقد أجاد صاحب الكشف في هذا المقام فقال : إن قوله مرفوع بالإبتداء بمعنى أي شيء أنزله إيضاح وإلا فالمعنى ما الذي أنزله على المصرح به في المفصل إذ لا وجه لحذف الضمير من غير استطالة مع أن اللفظ يحتمل النصب والرفع احتمالا سواء وعلى ذلك يلوح الفرق بين التقديرين ظهور أبينا فإن المنصوب وإن دل على ثبوت أصل الفعل وأن السؤال على المفعول متقاعد عن دلالة المرفوع فقد علم أن الجملة التي تقع صلة للموصول حقها أن تكون معلومة للمخاطب وأين الحكم المسلم المعلوم من غيره وإذا ثبت ذلك فليعلم أنه على تقديرين لم يطابق به الجواب لقوله في قالوا خيرا طوبق به الجواب بخلاف أساطير وقوله هنا كقوله تعالى : ماذا ينفقون إلى آخره فيمن رفع تشبيه في العدول إلى الرفع لا وجهه فإن الجواب هنالك طبق السؤال بخلاف ما نحن فيه وإنما قدر ما تدعون نزوله على تقدير النصب لأن السائل لم يكن معتقدا لإنزال محقق بل سئل عن تعيين ما سمع نزوله في الجملة فيكفي في رده إلى الصواب ما تدعون نزوله أساطير وأما على تقدير الرفع فلما دل على أن الإنزال عنده محقق مسلم لا نزاع فيه وإنما السؤال عن التعيين للمنزل أجيب بأن ذلك المحقق عند أساطير تهكما إذ من المعلوم أن المنزل لا يكون أساطير فبولغ في رده إلى الصواب بالتهكم به وأنه بت الحكم بالتحقيق في غير موضعه فأرى السائل أنه طوبق ولم يطابق في الحقيقة بل بولغ في الرد ويشبه أن يكون الأول جوابا للسؤال فيما بينهم أو الوافدين والثاني جوابا عن سؤال المسلمين على ما ذكر من الإحتمالين لا العكس على ما ظن هذا هو الأشبه في تقرير قوله الموافق لما ذكره من بعد على ما مر .
وجعل ما ذكره هنالك وجها ثالثا وأنه طوبق به الجواب ههنا وتوجيه اختلاف التقديرين ادعاء ونزولا بما مهدناه وإن ذهب إليه الجمهور تكلف عنه غني أه وقريء أساطير بالنصب كما نص عليه أبو حيان وغيره فإنكار صاحب الفرائد من قلة الإطلاع ليحملوا متعلق بقالوا كما هو الظاهر أي قالوا ذلك لأن يحملوا أوزارهم أي آثارهم الخاصة بهم وهي آثارهم ضلالهم وهو جمع وزر ويقال للثقل تشبيها بوزر الجبل ويعبر بكل منهما عن الإثم كما في هذه الآية وقوله تعالى ليحملوا أثقالهم : كاملة لم ينقص منها شيء ولم يكفر بنحو نكبة تصيبهم في الدنيا أو طاعة مقبولة فيها كما تكفر بذلك أوزار المؤمنين وقال الإمام : معنى ذلك أنه لا يخفف من عذابهم شيء بل يوصل إليهم بكليته وفيه دليل على أنه تعالى قد يسقط بعض العقاب عن المؤمنين إذ لو كان هذا المعنى حاصلا للكل لم يكن لتخصيص هؤلاء الكفار به فائدة وحمل الأوزار مجاز عن العقاب عليها وأخرج ابن جرير عن زيد بن أسلم أنه بلغه أن الكافر يتمثل عمله في صورة أقبح ما خلق الله تعالى وجها وأنتنه ريحا فيجلس إلى جنبه كلما أفزعه شيء زاده وكلما يخاف شيئا زاده خوفا فيقول : بئس الصاحب أنت ومن أنت فيقول : وما تعرفني فيقول : لا فيقول : أنا عملك كان قبيحا فلذلك تراني قبيحا وكان منتنا فلذلك تراني منتنا طاطيء إلى أركبك فطالما ركبتني في الدنانير كبه وهو قوله تعالى : ليحموا أوزارهم كاملة يوم القيامة ظرف ليحملوا ومن أوزار الذين يضلونهم أي وبعض أوزار من ضل