تخصيصه بالجدي والفرقدين وعن بعضهم أنه الثريا فإنه علم بالغلبة لها ففي الحديث إذا طلح النجم ارتفعت العاهة وقال الشاعر : حتى إذا ما استقر النجم في غلس وغودر البقل ملوي ومحصور وعن ابن عباس أنه سأل النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن ذلك فقال : هو الجدي ولو صح هذا لا يعدل عنه والجدي هو جدي الفرقد وهو على ما في المغرب بفتح الجيم وسكون الدال والمنجمون يصغرونه فرقا بينه وبين البرج وقيل : إنه كذلك لغة واستدل على إرادة ما يعم ذلك بما في اللوامح عن الحسن أنه قرأ والنجم بضمتين وعن ابن وثاب أنه قرأ بضم فسكون فإن ذلك في القراءتين جمع كسقف وسقف ورهن ورهن والتسكين قيل للتخفيف وقيل : لغة والقول بأن ذلك جمع على فعل أولى مما قيل : إن أصله النجوم فحذفت الواو وزعم ابن عصفور أن قولهم : النجم من ضرورة الشعر وأنشد : إن الذي قضى بذا قاض حكم أن يرد الماء إذا غاب النجم وهو نظير قوله : .
حتى إذا ابتلت حلاقيم الحلق .
والضمير يحتمل أن يكون عاما لكل سالك في البر والبحر من المخاطبين فيما تقدم وتغيير التعبير للإلتفات وتقديم الجار والمجرور للفاصلة والضمير المنفصل للتقوى ويحتمل أن يكون الضمير لقريش لأنهم كانوا كثيري الأسفار للتجارة مشهورين للإهتداء في مسايرهم بالنجم وأخرج الكلام عن سنن الخطاب وتقديم الجار والضمير والضمير للتخصيص كأنه قيل : وبالنجم خصوصا هؤلاء خصوصا يهتدون فالإعتبار بذلك والشكر عليه بالتوحيد ألزم لهم وأوجب عليهم وجعل بعضهم الآية أصلا لمراعاة النجوم لمعرفة الأوقات والقبلة والطرق فلا بأس بتعلم ما يفيد تلك المعرفة ولكن معرفة عين القبلة على التحقيق بالنجوم متعسر بل متعذر كما أفاده العلامة الرباني أبو العباس أحمد بن البناء لأنه إن اعتبر ذلك بما يسامت رؤس أهل مكة من النجوم فليس مسقط العمود منه على بسيط مكة هو العمود الواقع منه على بسيط غيرها من المدن وإن اعتبر بالجدي فلا يلزم من أن يكون في مكة على الكتف أو على المنكب أن يكون في غيرها كذلك إلا لمن يكون في دائرة السمت المارة برؤس أهل مكة والبلد الآخر وذلك مجهول لا يتوصل إليه إلا بمعرفة ما بين الطولين والعرضين وهو شيء اختلف في مقداره ولم يتعين الصحيح فيه وقول من قال : إن ذلك يعرف بجعل المصلي مثلا الشمس بين عينيه إذا استوت في كبد السماء أطول يوم في السنة فمتى فعل ذلك فقد استقبل البيت إن أراد بكبد السماء فيه كبد سماء بلده فليس بصحيح لأن الشمس لا تستوي في كبد السماء في وقت واحد في بلدين متنائيين كثيرا وإن أراد به كبد سماء مكة فلا يعلم ذلك في بلد آخر إلا بمعرفة ما بين البلدين في الطول وقد سمعت ما في ذلك من الإختلاف ويقال نحو هذا فيما يشبه ما ذكر بل قال قدس سره : إن معرفة ذلك على التحقيق بما يذكرونه من الدائرة الهندية ونحوها متعذر أيضا لأن مبنى جميع ذلك على معرفة الأطوال والعروض ودون تحقيق ذلك خرط القتاد فلا ينبغي أن يكون الواجب على المصلي إلا تحري الجهة ومعرفة الجهة تحصل بالنجوم وكذا بغيرها مما هو مذكور في محله أفمن يخلق ما ذكر من المخلوقات البديعة أو يخلق كل شيء يريده كمن لا يخلق شيئا ما جليلا أو حقيرا وهو تبكيت للكفرة وإبطال لإشراكهم وعبادتهم غيره تعالى شأنه من الأصنام بإنكار ما يستلزمه ذلك من المشابهة بينه سبحانه وبينه بعد تعداد ما يقتضي ذلك اقتضاء ظاهرا