الملح والحلية إنما تخرج من الملح وقيل : إن العذب يخرج من لؤلؤ أيضا إلا أنه لا يلبس إلا قليلا والكثير التداوي به ولم نر من ذكر ذلك في أكثر الكتب المصنفة لذكر مثل ذلك .
وأخرج البزاز عن أبي هريرة قال : كلم الله تعالى البحر الغربي وكلم البحر الشرقي فقال للبحر الغربي : إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم قال : أغرقهم قال بأسك في نواحيك وحرمه الحلية والصيد وكلم هذا البحر الشرقي فقال : إني حامل فيك عبادا من عبادي فما أنت صانع بهم قال : أحملهم على يدي وأكون لهم كالوالدة لولدها فاثابه سبحانه الحلية والصيد وأخرج نحو ذلك ابن أبي حاتم من طريق عبد الله بن عمرو بن العاص عن كعب الأحبار والله تعالى أعلم بصحة ذلك وظاهر كلام الأكثرين حمل البحر في الآية على البحر الملح وهو مملوء من السمك بل قيل إن السمك يطلق على كل ما فيه من الحيوانات ولا يكون اللؤلؤ إلا في مواضع مخصوصة منه .
وترى الفلك السفن مواخر فيه جواري فيه جمع ماخرة بمعنى جارية وأصل المخر الشق يقال : مخر الماء الأرض إذا شقها وسميت السفن بذلك لأنها تشق الماء بمقدمها وقال الفراء : هو صوت جري الفلك بالرياح ولتبتغوا عطق على تستخرجوا وما عطف عليه وما بينهما اعتراض لتمهيد مباديء الإبتغاء ودفع كونه باستخراج الحلية وعدل عن نمط الخطاب السابق واللاحق أعني خطاب الجمع إلى خطاب المفرد المراد به كل من يصلح للخطاب إيذانا بأن ذاك غير مسروق مساقهما وأجاز ابن الأنباري أن يكون معطوفا على علة محذوفة أي لتنتفعوا بذلك ولتبتغوا وأن يكون متعلقا بفعل محذوف أي فعل ذلك لتبتغوا وهو تكلف يغني الله تعالى عنه .
ومن فضله من سعة رزقه بركوبها للتجارة ولعلكم تشكرون .
14 .
- تقومون بحق نعم الله تعالى بالطاعة والتوحيد ولعل تخصيص هذه النعمة بالتعقيب بالشكر لأنها أقوى في باب الأنعام من حيث أنه جعل ركوب البحر مع كونه مظنة الهلاك لأن راكبيه كما قال عمر رضي الله تعالى عنه دود على عود سببا للإنتفاع وحصول المعاش وهو من كمال النعمة لقطع المسافة الطويلة في زمن قصير مع عدم الإحتياج إلى الحل والترحال والحركة مع الإستراحة والسكون وما أحسن ما قيل في ذلك : وإنا لفي الدنيا كركب سفينة نظن وقوفا والزمان بنا يسري وعدم توسيط الفوز بالمطلوب بين الإبتغاء والشكر قيل للإيذان باستغنائه عن التصريح به وبحصولهما معا .
واستدل بالآية على جواز ركوب البحر للتجارة بلا كراهة وإليه ذهب جماعة وأخرج عبد الرزاق عن ابن عمر أنه كان يكره ركوب البحر إلا لثلاث غاز أو حاج أو معتمر وألقى في الأرض رواسي أي جبالا ثوابت وقد مر تمام الكلام في ذلك أن تميد بكم أي كراهة أن تميد أو لئلا تميد والميد اضطراب الشيء العظيم ووجه كون الإلقاء مانعا عن اضطراب الأرض بأنها كسفينة على وجه الماء والسفينة إذا لم يكن فيها أجرام ثقيلة تضطرب وتميل من جانب إلى جانب بأدنى شيء وإذا وضعت فيها أجرام ثقيلة تستقر فكذا الأرض لو لم يكن عليها هذه الجبال لاضطربت فالجبال بالنسبة إليها كالأجرام الثقيلة الموضوعة في السفينة بالنسبة إليها .
وتعقبه الإمام لوجوه الأول على مذهب الحكماء القائلين بأن حركة الأجسام أو سكونها لطبائعها أن الأرض أثقل من الماء فيلزم أن تغوص فيه لا أن تطفو أو ترسى بالجبال وهذا بخلاف السفينة فإنها متخذة من الخشب