الشامل للشرب فيدخل في العد الألبان وجوز أن تكون من ابتدائية وأن تكون للتبعيض مجازا أو سببية أي تأكلون ما يحصل بسببها فإن الحبوب والثمار المأكولة تكتسب باكتراء الإبل مثلا وأثمار نتاجها وألبانها وجلودها والأول أظهر وأدخل ما يحصل من أكترائها من الإجارة التي يتوصل بها إلى مصالح كثيرة في المنافع وتغيير النظم الجليل قيل للإيماء إلى أنها لا تبقى عند الأكل كما في السابق واللاحق فإن الدفء والمنافع التي أشرنا إليها والجمال يحصل منها وهي باقية على حالها ولذلك جعلت محال لها بخلاف الأكل وتقديم الظرف للحصر على معنى أن الأكل منها هو المعتاد المعتمد في المعاش من بين سائر الحيوانات فلا يرد الأكل من الدجاج والبط وصيد البر والبحر فإنه من قبيل التفكه وكذا لا يرد أكل لحم الخيل عند من أباحه لأنه ليس من المعتاد المعتمد أيضا والحاصل أن الحصر إضافي وبذلك لا يرد أيضا أكل الخبز والبقول ونحوها ويضم إلى هذا الوجه في التقديم رعاية الفواصل وجعله لمجرد ذلك كما في الكشف قصور وأبو حيان ينكر كون التقديم مطلقا للحصر فينحصر وجهه هنا حينئذ في الرعاية المذكورة .
ولكم فيها مع ما ذكر من المنافع الضرورية جمال زينة في أعين الناس وعظمة ووجاهة عندهم والمشهور إطلاقه على الحسن الكثير ويكون في الصورة بحسن التركيب وتناسق الأعضاء وتناسبها وفي الأخلاق باشتمالها على الصفات المحمودة وفي الأفعال بكونها ملائمة للمصلحة من درء المضرة وجلب المنفعة وهو في الأصل مصدر جمل بضم الميم ويقال للرجل جميل وجمال وجمال على التكثير وللمرأة جميلة وجملاء عند الكسائي وأنشد فهي جملاء كبدر طالع .
بذت الخلق جميعا بالجمال ورأى بعضهم إطلاقه على التجمل فظن أنه مصدر بإسقاط الزوائد حين تريحون أي تردونها بالعشي من المرعى إلى مراحها يقال : أراح الماشية إذا ردها إلى المراح وقتئذ وحين تسرحون .
6 .
- تخرجونها غدوة من حظائرها ومبيتها إلى مسارحها ومراعيها يقال : سرحها يسرحها سرحا وسروحا وسرحت هي يتعدى ولا يتعدى والفعل الأول وكذا الثاني متعد والمفعول محذوف لرعاية الفواصل وتعيين الوقتين لأن ما يدور عليه أمر الجمال من تزين الأفنية وتجاوب ثغائها ورغائها إنما هو عند الذهاب والمجيء في ذينك الوقتين وأما عند كونها في المسارح فتنقطع إضافتها الحسية إلى أربابها وعند كونها في الحظائر لا يراها راء ولا ينظر إليها ناظر .
وتقديم إلا راحة على السرح مع أنها متأخرة في الوجود عنه لكونها أظهر منه في استتباع ما ذكر من الجمال وأتم في استجلاب الأنس والبهجة إذ فيها حضور بعد غيبة وإقبال بعد إدبار على أحسن ما يكون ملأى البطون حافلة الضروع وقرأ عكرمة والضحاك والجحدري حينا فيهما بالتنوين وفك الإضافة على أن كلتا الجملتين صفة لحينا قبلها والعائد محذوف كما في قوله تعالى : واتقوا يوما لا تجزي نفس عن نفس أي حينا تريحون فيه وحنا تسرحون فيه والعامل في حين إما المبتدأ لأنه بمعنى التجمل كما قيل وإما خبره لما فيه من معنى الإستقراء .
وجوز أن يكون متعلقا بمحذوف وقع صفة لجمال وتحمل أثقالكم أي أحمالكم الثقيلة جمع ثقل وقيل أجسامكم كما قيل في قوله تعالى : وأخرجت الآرض أثقالها حيث فسرت الأثقال فيه بأجسام بني آدم