مقتضى الظاهر وفائدة تصدير الجملة به الإيذان من أول الأمر بفخامة مضمونها مع ما في ذلك من زيادة تقدير في الذهن و أن وما بعدها في موضع المفعول الثاني لأنذروا دون تقدير جار فيه والمفعول الأول محذوف والمراد العموم أي أعلموا الناس أن الشأن الخطير هذا ووجه أنباء مضمونه عن المحذر بأنه ليس لذاته بل من حيث اتصاف المنذرين بما يضاده من الإشراك ولا يشترط تحقق المحذور كالإتصاف المذكور بالفعل في تحقق ماهية الإنذار وإن أبيت إلا الإشتراط فتحقق الإتصاف في بعض أفراد المنذرين لا سيما الأكثر بالفعل كاف .
وقال الراغب : الإنذار إخبار فيه تخويف كما أن التبشير إخبار فيه سرور وهو قريب مما تقدم ومحصله على العبارتين التخويف ومن هنا جوز بعضهم تفسيره بذلك وقدر المفعول الأول خاصا و أن وما بعدها في موضع المفعول الثاني بتقدير الجار أي خوفوا أهل الكفر والمعاصي بأن الشأن الخطير هذا وذلك كما جوز تفسيره بالأعلام وجعل المفعول الأول عاما ولم يقدر جارا في الثاني وذكر أن ذلك أصل معناه وأن تخصيصه بإعلام المحذور طاريء فإن أريد ذلك الأصل كان تعلقه بما بعده ظاهرا غاية الظهور وإن أريد غيره احتاج إلى التوجيه وقد علمته فيما إذا كان المفعول الأول عاما والأمر فيما إذا كان خاصا بعد ذلك أظهر من أن يذكر وذكر بعض الفضلاء أن الثابت في اللغة أن نذر بالشيء كفرح به فحذره وأنذره إذا أعلمه بما يحذره وليس فيها مجيئه بمعنى التخويف فأصله الإعلام مع التخويف فاستعملوه بكل من جزئي معنييه الإعلام والتخويف انتهى وفيه غفلة عما أشرنا إليه وكأنه لهذا قيل : إنه لم يأت بشيء يعتد به فاتقون .
2 .
- جعله أبو السعود خطابا للمستعجلين على طريقة الإلتفات والفاء فصيحة أي إذا كان الأمر كما ذكر من جريان عادته تعالى بتنزيل الملائكة على من يشاء تنزيلهم عليه من عباده وأمر المنزل عليهم بأن ينذروا الناس بأنه تعالى لا شريك له في الألوهية فاتقون في الإخلال بمضمونه ومباشرة ما ينافيه وفروعه التي من جملتها الإستعجال والاستهزاء انتهى .
وهو على ما يقتضيه الظاهر مبني عل ما مال إليه من اختصال الخطاب السابق بالكفرة وجعل بعضهم هذا الخطاب رجوعا أيضا إلى خطاب قريش لكنه متفرع على التوحيد ووجه تفرعه عليه أنه سبحانه وتعالى إذا كان واحدا لم يتصور تخليص أحد لأحد من عذابه إذا أراد ذلك ولم يجوز جعله من جملة الموحي به على معنى أعلموهم قولي أن الشأن لا إله إلانا فاتقون أو أو خوفوهم بذلك معللا بأنه لو كان ذلك لقيل إن بالكسر لا بالفتح .
وتعقب بمنع اللزوم فإن أن ليست بعد قول صريح أو مقدور إنما ذكروا ذلك في بيان المعنى لتصويره واختير أنه إذا كان الإنذار بمعنى التخويف فالظاهر دخول هذا الأمر في المنذر به لأنه هو المنذر به في الحقيقة وهو المقصود بالذكر وإذا كان بمعنى الإعلام فالمقصود بالإعلام هو الجملة الأولى وهو متفرع عليها على طريق الإلتفات ولا يخلو عن مناقشة فتأمل والذي يميل إليه القلب أن المجموع داخل في حيز الإنذار وهو مشتمل على التوحيد الذي هو منتهى كمال القوة العلمية والأمر بالتقوى التي ممى أقصى كمال القوة العلمية فإن النفوس البشرية لها نسبة إلى عالم الغيب تستعد بها لقبول الصور والتحلي بالمعارف والإدراكات من ذلك العالم ونسبة إلى عالم الشهادة تستعد بها لأن تتصرف في أجسام هذا العالم ويسمى استعدادها الحاصل لها باعتبار النسبة الأولى قوة نظرية واستعدادها باعتبار النسبة الثانية قوة عملية وأشرف كمالات القوة النظرية معرفة أن لا إله إلا الله تعالى وأشرف كمالات القوة العملية الإتيان بالأعمال الالواقية عن خزي يوم القيامة