ترجيع لجانب الوعد على الوعيد وإن كان الأليم على ما قال غير واحد في الحقيقة صفة العذاب وكذا لا يضر في ذلك الإضافة لأنها لا تقتضي حصول المضاف إليه بالفعل كما لإذا قيل ضربي شديد فإنه يصح أن يراد منه ذاك شديد إذا وقع ويكفي في الإضافة أدنى ملابسة ويقوي أمر الترجيح الإتيان بالوصفين بعيغتي المبالغة وكذا ما أخرج ابن جرير وابن مردوية من طريق عطاء بن أبي رباح عن رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم قال : أطلع علينا رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم من الباب الذي منه بنو شيبة فقال : ألا أراكم تضحكون ثم أدبر حتى إذا كان عند الحجر رجع إلينا القهقري فقال : إني لما خرجت جاء جبريل عليه السلام فقال : يا محمد إن الله تعالى يقول لم تقنط عبادي نبيء عبادي أني أنا الغفور الرحيم الآية وتقديم الوعد أيضا يؤيد ذلك وفيه إشارة إلى سبق الرحمة حسبما نطق به الخبر المشهور .
ومع هذا كله في الآية ما تخشع منه القلوب فقد أخرج عبد بن حميد وجماعة عن قتادة أنه قال في الآية : بلغنا أن نبي الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : لو يعلم العبد قدر عفو الله تعالى لما تورع من حرام ولو يعلم قدر عذابه لبخع نفسه وأخرج الشيخان وغيرهما عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم قال : إن الله سبحانه خلق الرحمة يوم خلقها مائة رحمة فأمسك عنده تسعة وتسعين رحمة وأرسل في خلقه كلهم رحمة واحدة فلو يعلم الكافر كل الذي عنده من رحمة لم ييأس من الرحمة ولم يعلم المؤمن بكل الذي عند الله تعالى من العذاب لم يأمن من النار ثم لإنه تعالى لما ذكر الوعد والوعيد ذكر ما يحقق ذلك لما تضمنه من البشرى والإهلاك بقوله سبحانه : ونبئهم عن ضيف إبراهيم .
51 .
- الخ وقيل : إنه تفصيل لما تضمنته الآية السابقة منهما لا من الوعيد فقط كما قيل والمراد بضيف إبراهيم الملائكة عليهم السلام الذين بشروه بالولد وبهلك قوم لوط عليه السلام وإنما سموا ضيفا لأنهم في صورة من كان ينزل به عليه السلام من الأضياف وكان لا ينزل به أحد إلا أضافه وكان لقصره عليه السلام أربعة أبواب من كل جهة باب لئلا يفوته أحد ولذا كان يكنى أبا الضيفان واختلف في عددهم كما تقدم وهو في الأصل مصدر والأفصح أن لا يثني ولا يجمع ولا يؤنث للمثنى والمجموع والمؤنث فلا حاجة إلى تكلف إضمار أي أصحاب ضيف كما قاله النحاس وغيره ولم يتعرض سبحانه لعنوان رسالتهم لأنهم لم يكونوا مرسلين إليه عليه السلام بل إلى قوم لوط عليه السلام كما يأتي إن شاء الله تعالى ذكره .
وقرأ أبو حيوة ونبيهم بإبدال الهمزة ياء إذ دخلوا عليه نصب على أنه مفعول بفعل محذوف معطوف على نبيء أي واذكر وقت دخولهم عليه أو ظرف لضيف بناء على أنه مصدر في الأصل وجوز أبو البقاء كونه ظرفا له بناء على أنه مصدر الآن مضاف إلى المفعول حيث كان التقدير أصحاب ضيف حسبما سمعته عن النحاس وغيره وأن يكون ظرفا لخبر مضافا إلى ضيف أي خبر ضيف إبراهيم حين دخولهم عليه فقالوا عند ذلك : سلاما مقتطع من جملة محكية بالقول وليس منصوبا به أي سلمت سلاما من السلامة أو سلمنا سلاما من التحية وقيل : هو نعت لمصدر محذوف تقديره فقالوا قولا سلاما قال إنا منكم وجلون .
52 .
- أي خائفون فإن الوجل اضطراب النفس لتوقع مكروه وقوله عليه السلام هذا كان عند غير واحد بعد أن قرب إليهم العجل الحنيد فلم يأكلوا منه وكان العادة أن الضيف إذا لم يأكل مما يقدم له ظنوا أنه لم يجيء بخير وقيل : كان