مما نهى عنه ونقل الإمام عن جمهور الصحابة والتابعين وذكر أنه المنقول عن الخبر أن المراد بهم الذين اتقوا الشرك ثم قال : وهذا هو الحق الصحيح والذي يدل عليه أن المتقي هو الآتي بالتقوى مرة واحدة كما أن الضارب هو الآتي بالضرب مرة فليس من شرط صدق الوصف بكونه متقيا كونه آتيا بجميع أنواع التقوى والذي يقرر ذلك أن الآتي بفرد واحد من أفراد التقوى يكون آتيا بالتقوى فإن الفرد مشتمل على الماهية بالضرورة وكل آت بالتقوى يجب أن يكون متقيا فالآتي بفرد يجب كونه متقيا ولهذا قالوا : ظاهر الأمر لا يفيد التكرار فظاهر الآية يقتضي حصول الجنات والعيون لكل من اتقى عن ذنب واحد إلا أن الأمة مجمعة على أن التقوى عن الكفر شرط في حصول هذا الحكم وأيضا هذه الآية وردت عقيب قول إبليس : إلا عبادك منهم المخلصين وعقيب قوله تعالى : إن عبادي ليس لك عليهم سلطان فلذا اعتبر الإيمان في هذا الحكم فوجب أن لا يزاد فيه قيد آخر لأن تخصيص العام لما كان خلاف الظاهر فكلما كان التخصيص أقل كان أوفق بمقتضى الأصل والظاهر فثبت أن الحكم المذكور يتناول جميع القائلين لا إله إلا الله محمد رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم ولو كانوا من أهل المعصية وهذا تقرير بين وكلام ظاهر أه .
وقد يقال : لا شبهة في أن السياق يدل على أن المتقين هم المخلصون السابق ذكرهم وأن المطلق يحمل على الكامل والكامل ما أشار إليه الزمخشري ولا بأس بالحمل عليه وقيل أنه الأنسب .
وأخرج العصاة من النار ثابت بنصوص أخر وكذا إدخال التائبين الجنة بل غيرهم أيضا فلا يلزم القائل بذلك القول بما عليه المعتزلة من تخليد أصحاب الكبائر كما لا يخفى وأل للإستغراق وهو إما مجموعي فيكون لكل واحد من المتقين جنة وعين أو أفرادي فيكون لكل جنات وعيون والمراد بالعيون يحتمل كما قيل أن يكون الأنهار المذكورة في قوله تعالى : مثل الجنة التي وعد المتقون فيها أنهار من ماء غير آسن وأنهار من لبن لم يتغير طعمه الآية ويحتمل أن يكون منابع مغايرة لتلك الأنهار وهو الظاهر وهو كل من المتقين مختص بعيونه أو ليس مختصا بل تجري من بعض إلى بعض احتمالات فإنه يمكن أن يكون لكل واحد عين وينتفع بها من معيته ويمكن أن تجري العين من بعضهم إلى بعض لأنهم مطهرون عن الحقد والحسد وضم العين من عيون هو الأصل وبه قرأ نافع وأبو عمرو وحفص وهشام وقرأ الباقون بالعكس وهو لمناسبة الياء .
أدخلوها أمر لهم بالدخول من قبله تعالى وهو بتقدير القول على أنه حال أي وقد قيل لهم ادخلوها فلا يرد أنه بعد أن الحكم بأنهم في الجنة كيف يقال لهم ادخلوها وجوز أن يقدر مقولا لهم ذلك والمقارنة عرفية لاتصالهما وقيل : يقدر يقال لهم فيكون مستأنفا ووجه ذكر هذا الأمر بعد الحكم السابق بأنهم لما ملكوا جنات كثيرة كانوا كلما خرجوا من جنة إلى أخرى قيل لهم ادخلوها إلى آخره وهو إنما يجري على تقدير أن يكون لكل جنات وبغير ذلك مما فيه دخل وقرأ الحسن ادخلوها على أنه ماض مبني للمفعول من باب الأفعال والهمزة فيه للقطع وأصل القياس أن لا يكسر التنوين قبلها إلا أن الحسن كسره على أصل التقاء الساكنين إجراء لهمزة القطع مجرى همزة الوصل في الإسقاط وقرأ يعقوب في رواية رويس كذلك إلا أنه ضم التنوين بإلقاء حركة همزة تقطع عليه وعنه أدخلوها بفتح الهمزة عليه وكسر الخاء على أنه أمر للملائكة بإدخالهم إياها وفتح في هذه القراءة التنوين بإلقاء فتحة الهمزة عليه وعلى القراءة بصيغة