فإن تعتذر بالمحل من ذي ضروعها إلى الضيف يجرح في عراقيبها نصلي والمعنى لأحسنن الدنيا وأزيننها لهم حتى يشتغلوا بها عن الآخرة وجوز جعل الباء للقسم و ما مصدرية أيضا أي أقسم بإغوائك إياي لأزينن وأقسامه بعزة الله تعالى المفسرة بسلطانه وقهره لا ينافي إقسامه بهذا فإنه فرع من فروعها وأثر من آثارها فلعله أقسم بهما جميعا فحكى تارة قسمه بهذا وأخرى بذاك وزعم بعضهم أن السببية أولى لأنه وقع في مكان آخر فبعزتك والقصة واحدة والحمل على محاورتين لا موجب له ولأن القسم بالإغواء غير متعارف انتهى وفيه نظر ظاهر فإن قوله : فبعزتك يحتمل القسمية أيضا وقد صرح الطيبي بأن مذهب الشافعية أن القسم بالعزة والجلال يمين شرعا فالآية على الزاعم لا له نعم إن دعواه عدم تعارف القسم بالإغواء مسلمة وهو عندي يكفي لأولوية السببية ولعدم التعارف مع عدم الإشعار بالتعظيم لا يعد القسم بها يمينا شرعا فإن القائلين بانعقاد القسم بصفة له تعالى يشترطون أن تشعر بتعظيم ويتعارف مثلها وفي نسبة الإغواء إليه تعالى بلا إنكار منه سبحانه قول بأن الشر كالخير من الله D وأول المعتزلة ذلك وقالوا : المراد النسبة إلى الغي كفسقته نسبته إلى الفسق لا فعلته أو أن المراد فعل به فعلا حسنا أفضى به لخبثه إلى الغي حيث أمره سبحانه بالسجود فأبى واستكبر أو أضله عن طريق الجنة وترك هدايته واللطف به واعتذروا عن إنظار الله تعالى إياه مع أنه مفض إلى الإغواء القبيح بأنه تعالى قد علم منه وممن اتبعه أنهم يموتون على الكفر ويصيرون إلى النار أنظر أم لم ينظر وأن في إنظاره تعريضا لمن خالفه لاستحقاق مزيد الثواب .
وأنت تعلم أن في إنظار إبليس عليه اللعنة وتمكينه من الإغواء وتسليطه على أكثر بني آدم ما يأبى القول وجوب رعاية الأصلح المشهور عن المعتزلة وأيضا من زعم أن حكيما أو غيره يحصر قوما في دار ويرسل فيها النار العظيمة والأفاعي القاتلة الكثيرة ولم يرد أذى أحد من أولئك القوم بالإحراق أو اللسع فقد خرج عن الفطرة البشرية .
فحينئذ الذي تحكم به الفطرة أن الله تعالى أراد بالأنظار أضلال بعض الناس فسبحانه من إله يفعل ما يشاء ويحكم ما يريد وتمسك بعض المعتزلة في تأويل ما تقدم بقوله : ولأغوينهم حيث أفاد أن الإغواء فعله فلا ينبغي أن ينسب إلى الله تعالى وأجيب بأن المراد به هنا الحمل على الغواية لا إيجادها وتأويل اللاحق للسابق أولى من العكس وبالجملة ضعف الإستدلال ظاهر فلا يصلح ذلك متمسكا لهم أجمعين .
39 .
- أي كلهم فهو لمجرد الإحاطة هنا إلا عبادك المخلصين .
40 .
- بفتح اللام وهو قراءة الكوفيين ونافع والحسن والأعرج أي الذين أخلصتهم لطاعتك وطهرتهم من كل ما ينافي ذلك وكان الظاهر وإن منهم من لا أغويه مثلا وعدل عنه إلى ما ذكر لكون الإخلاص والتمحض لله تعالى يستلزم ذلك فيكون من ذكر السبب وإرادة مسببه ولازمه على طريق الكناية وفيه إثبات الشيء بدليله فهو من التصريح به وقرأ باقي السبعة والجمهور بكسر اللام أي الذين أخلصوا العمل لك ولم يشركوا معك فيه أحدا .
قال الله سبحانه وتعالى : هذا صراط علي أي حق لابد أن أراعيه مستقيم .
41 .
- لا إنحراف فيه فلا يعدل عنه إلى غيره والإشارة إلى ما تضمنه الإستثناء وهو تخلص المخلصين من إغوائه وكلمة على تستعمل للوجوب والمعتزلة يقولون به حقيقة لقولهم بوجوب الأصلح عليه تعالى وقال أهل السنة : إن ذلك وإن