فالسواد والبياض مثلا مندرجان تحت جنس وهو اللون فيكون كل منهما مركبا لا تركيبا جسمانيا ومثل هذا يقال هنا كيف لا وقد قالوا : الجوهر مقول على النفس والجسم .
وأما الثاني فمداره الإستقراء ويضعف ذلك لوجهين أحدهما : أنه لا يمكننا أن نحكم على كل إنسان بكونه قابلا لجميع المدركات وثانيهما أنه لا يمكننا أيضا أن نحكم على النفس التي علمنا قبولها لصفة أنها قابلة لجميع الصفات كيف وضبط الصفات غير ممكن .
وأما الثالث : فهو يقتضى أن يكون جميع المفارقات نوعا واحدا وهو مما لا سبيل إليه وذهب شرذمة إلى اختلافها بالنوع وهذا المعتبر عند صاحب المعتبر وطول الكلام في ذلك وأحسن ما عول عليه في الإستدلال له اختلاف الناس في العلم والجهل والقوة والضعف والغضب والتحمل وغير ذلك فقال : ليس ذلك لاختلاف المزاج لما أنا نجد متساويين مزاجا مختلفين اختلافا وبالعكس وأيضا أن نفس النبي E تبلغ قوتها إلى حيث تكون قوية على التصرف في هيولي هذا العام ومعلوم أن ذلك ليس لقوم مزاجه فليس ذلك الإختلاف إلا لاختلاف الجواهر وأنت تعلم أن هذا ليس في الحقيقة من البراهين بل هو من الإقناعات الضعيفة فتدبر جميع ما ذكرناه وسيأتي إن شاء الله تعالى تتمة للكلام في هذا المقام وهو لعمر الله تعالى طويل الذيل وبالجملة أن الوقوف على حقيقة الروح أمر عسر والطويل إليه وعر وقد جعل الله سبحانه ذاك من أعظم آياته الدالة على جلال ذاته وكمال صفاته فسبحانه من إله ما أجله ومن رب ما أكمله .
فقعوا له ساجدين .
29 .
- أمر الملائكة عليهم السلام بالسجود لآدم عليه السلام على وجه التحية والتعظيم أو لله تعالى وهو عليه السلام بمنزلة القبلة حيث ظهرت فيه تعاجيب آثار قدرته D كقول حسان : أليس أول من صلى لقبلتكم وأعلم الناس بالقرآن والسنن وفي أمرهم بالوقوع أي السقوط دليل على أن ليس المأمور به مجرد الإنحناء كما قيل بل السجود بالمعنى المتبادر فسجد الملائكة أي فخلقه فسواه فنفخ من روحه فسجد له الملائكة كلهم بحيث لم يشذ منهم أحد أجمعون .
30 .
- بحيث لم يتأخر في ذلك أحد منهم عن أحد بل أوقعوا الفعل مجتمعين في وقت واحد وهذا على ما ذهب إليه الفراء والمبرد من دلالة أجمعين على الإجتماع في وقت الفعل وقال البصريون : أنها ككل لإفادة العموم مطلقا .
ومن هنا منع تعاطفهما فلا يقال جاء القوم كلهم وأجمعون وردوا على ذلك بقوله تعالى حكاية عن إبليس : لأغوينهم أجمعين لظهور أن لا إجتماع هناك ورده في الكشف بأن الإشتقاق من الجمع يقتضيه لأنه ينصرف إلى أكمل الأحوال فإذا فهمت الإحاطة من لفظ آخر وهو كل لك يكن بد من كونه في وقت واحد وإلا كان لغوا والرد بالآية منشؤه عدم تصور وجه الدلالة ومنه يعلم وجه فساد النظر بأنه لو كان الأمر كذلك لكان حالا لا تأكيدا فالحق في المسألة مع الفراء والمبرد وذلك هو الموافق لبلاغة التنزيل وزعم البصريون إنما أكد بتأكيدين للمبالغة في التعميم ومنع التخصيص .
وزعم غير واحد أنه لا يؤكد بأجمع دون كل اختيار والمختار وفاقا لأبي حيان جوازه لكثرة وروده