يحلون ويظعنون وفي هذه القسمة عندي إشكال يظهر بالتدبر ولعل حاصلها أن صنفا منهم يغلب عليهم الطيران في الهواء وصنف يغلب عليهم الحل والإرتحال وصنف يغلب عليهم المكث والتوطن ببعض المواطن وعبر عنهم بالحيات والكلاب لكثرة تشكيلهم بذلك دون الصنفين الآخرين فإنهم وإن جاز عليهم التشكل بالأشكال المختلفة لأنهم من الجن وقد قالوا : إنهم قادرون على ذلك وإن نوزع فيه بأنه يستلزم أن لا تبقى ثقة بشيء ورد بأن الله تعالى قد تكفل لهذه الأمة بعصمتها عن أن يقع فيها ما يترتب عليه الريبة في الدين ورفع الثقة بعالم وغيره فاستحال شرعا الإستلزام المذكور إلا أنهم لا يكثر تشكلهم بذلك وربما يقال : إن القدرة على التشكل إنما هي لصنف المتوطنين وإثباتها في كلامهم للجن يكفي فيه صحتها باعتبار الأصناف لكنه بعيد جدا فليتدبر حقه وقد قال الهيتمي : إن رجال هذا الحديث وثقوا في بعضهم ضعف فإن كان الحديث لذلك ضعيفا فلا قيل ولا قال والله تعالى أعلم بحقيقة الحال وسيأتي إن شاء الله تعالى استيفاء الكلام في هذا المقام بعون الله تعالى الملك العلام ثم إن مساق الآية الكريمة على ما قيل كما هو للدلالة على كمال قدرته تعالى شأنه وبيان بدء خلق الثقلين فهو للتنبيه على مقدمة يتوقف عليها إمكان الحشر وهي قبول المواد للجمع والإحياء فتدبر .
وإذ قال ربك نصب بإضمار أذكر وتذكير الوقت لما مر مرارا من أنه أدخل في تذكير ما وقع فيه وفي التعرض لوصف الربوبية مع الإضافة إلى ضميره E إشعار بعلة الحكم وتشريف له صلى الله تعالى عليه وسلم أي أذكر قوله تعالى : للملائكة الظاهر أن المراد بهم ملائكة السماء والأرض وزعم بعض الصوفية أن المراد بهم ملائكة الأرض ولا دليل له عليه إني خلق فيما سيأتي وفيه ما ليس في صيغة المضارع من الدلالة على أنه تعالى فاعل لذلك البتة من غير صارف ولا عاطف بشرا أي إنسانا وعبر به عنه اعتبارا بظهور بشرته وهي ظاهر الجلد عكس الأدمة خلافا لأبي زيد حيث عكس وغلظه في ذلك أبو العباس وغيره من الصوف والوبر ونحوهما ولبعض أكابر الصوفية وجه آخر في التسمية سنذكره إن شاء الله تعالى في باب الإشارة ويستوي فيه الواحد والجمع .
وذكر الراغب أنه جاء جمع البشرة بشرا وأبشارا وقيل : أريد جسما كثيفا يلاقي ويباشر أو جسما بادي البشرة ولم يرد إنسانا وإن كان هو إياه في الواقع وبعض من قال إنه المراد قال : ليس هذا صيغة عين الحادثة وقت الخطاب بل الظاهر أن يكون قد قيل لهم : إني خالق خلقا من صفته كيت وكيت ولكن اقتصر عند الحكاية على الإسم من صلصال متعلق بخالق أو بمحذوف وقع صفة بشرا من حمإ مسنون .
28 .
- تقدم تفسيره وإعرابه فتذكر فما في العهد من قدم فإذا سويته فعلت فيه ما يصير به مستويا معتدلا مستعدا لفيضان الروح وقيل : صورته بالصور الإنسانية والخلقة البشرية ونفخت فيه من روحي النفخ في العرف إجراء الريح من الفم أو غيره في تجويف جسم صالح لإمساكها والإمتلاء بها والمراد هنا تمثيل إفاضة ما به الحياة بالفعل على المادة القابلة لها وليس هناك نفخ حقيقة .
وقال حجة الإسلام : عبر بالنفخ الذي يكون سببا لاشتعال فتيلة القابل من الطين الذي تعاقبت عليه الأطوار حتى اعتدل واستوى واستعد استعدادا تاما بنور الروح كما يكون سببا لاشتعال الحطب القابل مثلا